«حماس» تعيد غزة إلى عصر ما قبل الكهرباء
حافظ البرغوثي
دخل قطاع غزة مرحلة قصوى من شظف العيش وقسوته في هذا الصيف اللاهب من دون أية بادرة من شأنها التخفيف عن سكانه الصابرين، وقد تفاءل الكثيرون عندما بدأ دخول الوقود المصري إلى غزة، لكن التفاؤل سرعان ما تبدد، حيث إن محطة الكهرباء الوحيدة لم ترفع من طاقتها ولم تشغل أية مولدات جديدة، بل خفضت الإنتاج لعدم وجود وقود، بمعنى أن الوقود لم يصل إليها، ثم أوقفت المولد الوحيد الذي كان يعمل لتزداد الأزمة الإنسانية التي يعيشها سكان غزة تفاقماً من حيث انقطاع الكهرباء، وتوقف مضخات المياه، وتدفق المجاري إلى البحر، وجفاف محاصيل الخضار. وكانت تقارير دولية حذرت من أن قطاع غزة لن يكون مكاناً مناسباً للحياة بعد ثلاث سنوات، بسبب تدهور الأوضاع المعيشية، وتوقف الأنشطة الاقتصادية، وصعوبة التنقل إلى الخارج وشح المياه والكهرباء، وتوقف مضخات الصرف الصحي ومضخات المياه إلى المنازل والمزارع، الخ. كما أن ارتفاع نسبة البطالة إلى أعلى نسبة في العالم بحيث تعدت 60 في المئة، يوضح كيفية الحياة في حيز ضيق لا تزيد مساحته على 380 كيلومتراً مربعاً، وارتفع عدد سكانه خلال عشر سنوات بنسبة 38 في المئة، بينما الموارد الطبيعية تتناقص، ويتعرض لحصار خانق، ولا توجد فرص عمل جدية، باستثناء ما توفره حركة حماس لعناصرها الملتزمين بحكومتها فقط.
توقف آخر مولد في محطة الكهرباء يقلص الطاقة الواردة إلى غزة بنسبة الثلث، حيث كانت المحطة تنتج قرابة 45 ميغا واط، بينما قدرتها الإنتاجية 120 لكن عدم توفر الوقود أدى إلى توقفها، وقلص الاحتلال من حجم التيار المورد إلى غزة بنسبة النصف، أي إلى 55 ميغاواط من 120 لعدم استعداد السلطة الفلسطينية لمواصلة تسديد فاتورة الكهرباء، لأن حركة حماس تتولى جباية الكهرباء، ولا تورد أموالاً إلى السلطة، بل تحتفظ بالمال، وكانت السلطة تسدد شهرياً ما قيمته 20 مليون دولار أثمان كهرباء ووقود لغزة على مدى السنوات العشر الماضية، لكنها في السنوات الأخيرة بدأت تطالب حماس بتوريد الجباية إليها، لكن الأخيرة رفضت وطالبت بإلغاء الضريبة على الوقود، وعندما ألغيت لم تدفع حماس سوى بضعة ملايين لشراء الوقود للمحطة، وتوقفت عن الدفع.
حالياً، يعيش أهالي غزة على ساعتين كهرباء كل 24 ساعة، وأحياناً كل 48 ساعة، ولم ينفع استيراد الوقود المصري، حيث أدخلت مصر سبعة ملايين ليتر للمحطة الكهربائية لكن أمراء حماس باعوها في محطات الوقود للسيارات بنسبة ربح تعادل درهم عن كل ليتر.
لم أسمع أن حاكماً يجبي الضرائب ثم يقول أنا لست مسؤولاً عن الكهرباء إلا في غزة. لم أسمع أن حاكماً يطالب باحترام القانون ثم يعلن أنه غير مسؤول عن أي شيء لا يدر مالاً في الوطن، إلا جماعة حاكمي غزة. لم أسمع أن أحداً فاز في انتخابات لمدة موقوتة، ثم قال أنا فوق رقابكم إلى يوم الدين، إلا في غزة.
سلطة قهر القوة واضحة في غزة، وعمى الأقوياء واضح لدى جماعة حكام غزة، بقي فقط أن نقول لهم: حين تدور عليكم الدوائر فلا تزعموا مكرهين أنكم جزء من الشعب العربي الفلسطيني، أنتم جزء من حزبكم فقط.
ويبدو أن التفاهمات التي سهلت دخول الوقود إلى غزة اصطدمت بتيار النهب في حماس الذي لا يشبع نهمه رغم كل ما جمعه من أموال الأنفاق. أما الحديث عن الحرب لكسر طوق الحصار فهو هروب إلى الأمام، فحكومة اليمين الحاكمة في «إسرائيل» تبحث عن فريسة سهلة في غفلة من المجتمع الدولي تنقذها من مأزقها السياسي الدولي، وقضايا الفساد التي تطارد نتنياهو. لذا فإن اقصر الطرق لحل أزمة غزة هي المصالحة الوطنية كما كانت برعاية مصرية.
hafezbargo@hotmail.com