قضايا ودراسات

حملات موسمية رمضانية

عبدالله محمد السبب
تماماً، ونحن نتداول ما اختلف عليه مؤرخو الشعر حول الشطر الشعري العربي الشهير في الزمان والمكان، منذ انطلاقته الأولى، وحتى عصرنا الحالي: (وللناس فيما يعشقون مذاهب)، الذي يُنسب في المقاوم الأول إلى الفارس الشاعر «أبوفراس الحمداني»، حيث يقول:
فلا، وأبي العشاقِ، ما أنا عاشقٌ
إذا هيَ لَمْ تَلْعَبْ بِصَبرِي المَلاعِبُ
ومنْ مذهبي حبُّ الديارِ لأهلها
وَللنّاسِ فِيمَا يَعْشَقُونَ مَذَاهِبُ
فيما يُنسب إلى «مرعي بن يوسف الكرمي» في (خلاصة الأثر للمحبي):
لئن قلد الناس الأئمة إنني لفي مذهب الحبر ابن حنبل راغب أقلد فتواه وأعشق قوله وللناس فيما يعشقون مذاهب.
ويُنسب القول إلى «ابن شجاع النجفي» في (سلافة العصر لابن معصوم):
كذاك عشقت العلم والجود والتقى وللناس فيما يعشقون مذاهب.
فإننا اليوم، ومن ذلك الشطر الشعري، نستعرض الحملات الموسمية الرمضانية التي تقوم بها فئات مجتمعية ومؤسساتية مختلفة، بما «للناس فيما يعشقون مذاهب».. ففيما تشمر الجمعيات الخيرية عن إمكاناتها ورؤاها وأفكارها بما تنوي القيام به من مشاريع رمضانية لصالح المحتاجين والفقراء في شرق الأرض ومغاربها، نرى على الطرف الآخر فلول المتسولين وقد أعدوا العدة لتنفيذ حملاتهم الرمضانية على اختلاف أشكالها وألوانها وصورها، مجندين كل طاقاتهم الإبداعية، القولية منها والجسدية، لاستمالة القلوب جسراً جسوراً نحو هدف أكبر ورئيس متمثل بغسل الجيوب بشتى الطرق والحيل الذكية التي تنطلي على الناس بدافع طيبتهم المفطورين عليها، أو عبر حيل حال عليها الزمن وباتت مكشوفة للعيان.
على جانب آخر، وفيما تقوم القطاعات التجارية المختلفة المستويات والأحجام والأفكار بالترويج لحملاتها لاستقطاب المستهلكين على اختلاف أعمارهم وأفكارهم ومستويات ثقافاتهم لجذب انتباههم واهتماماتهم طمعاً في الحصول على رضاهم والاستجابة لعروضهم المغرية، نجد المستهلكين أنفسهم وقد شمروا عن إمكاناتهم المادية، الوفيرة منها أو المتواضعة، منطلقين نحو مختلف القطاعات التجارية لاقتناص الفرص الترويجية والعروضات الخاصة بالخصومات أو الوفورات الشرائية، لاسيما القطاعات الاستهلاكية عبر الجمعيات التعاونية بما تقدمه من مواد غذائية لزوم الموائد الرمضانية العامرة بما لذ وطاب من نعم الرحمن التي لا تعد ولا تحصى.
إذن، هي عادات موسمية رمضانية في المقام الأول، وفي سائر مواسم العام ارتباطاً بفصول السنة المختلفة.. عادات منها ما هو حميد نحمد الله على دوامه ودوام الحرص عليه من قبل قطاعات بشرية مؤسساتية أو فردية بهدف إسعاد البشرية، أو على أقل تقدير إرضاؤهم وحفظ كرامتهم، ومنها ما هو غير حميد لا تحمد عقباه، ويتوجب الحذر منه، ومن القائمين على شؤونه من المريضة قلوبهم الهادفة إلى القيام بجلسات وحملات تنويم مغناطيسي تسلب لب الناس وتغسل جيوبهم.
وهكذا، نبقى كما نحن في كل عام، بما يختلج في أذهاننا من رؤى وأفكار وأهداف، وبما يعتمر في قلوبنا من حب التميز والتواجد في صلب الدورة الزمنية الرمضانية.. أعادها الله علينا وعلى أوطاننا بالخير والحب والسعادة.

A_assabab@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى