قضايا ودراسات

حملة هستيرية لعزل روسيا

تيد جالن كاربنتر *
خلال حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية في 2016، كان هناك مجهود منظم، عبر وسائل الإعلام الرئيسية، لتصوير دونالد ترامب ومستشاريه على أنهم خاضعون لنفوذ روسي.

في الوقت الراهن، أصبحت هذه الحملة أكثر شراسة، وأوسع نطاقاً، وبالتالي أكثر خطراً. وقد تحولت إلى حملة منهجية من أجل جعل روسيا بلداً منبوذاً. وشملت هذه الحملة الطعن في ولاء أي شخص يدعو حتى إلى تخفيف المواجهة مع روسيا.
ومن بين أحدث الهجمات في هذه الحملة، تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» في 15 مايو/أيار، اتهم الرئيس ترامب بأنه كشف معلومات في غاية السرية لمسؤولين روسيَين، هما وزير الخارجية سيرغي لافروف، والسفير في واشنطن سيرغي كيسلياك، خلال اجتماعه معهما في البيت الأبيض. والهدف الضمني من هذا التقرير هو أن تقاسم معلومات استخباراتية سرية هو عمل خاطئ، إن لم يكن خيانة.
وقد نفى مستشار الأمن القومي هيربرت رايموند ماكماستر، ومسؤولون آخرون في إدارة ترامب، بشدة، أن تكون أي معلومات تتعلق بمصادر استخباراتية، أو أساليب استخباراتية قد أعطيت للروس. وحتى لو فعل الرئيس ترامب ذلك، فهو لم ينتهك أي قانون. إذ إن الممارسة المعتمدة منذ عقود هي أن رئيس الولايات المتحدة يمكنه رفع السرية فوراً عن أي معلومات، وتقاسمها مع أي شخص يختاره.
وحيث إن المعلومات التي قيل إنها أعطيت للروس تتعلق على ما يبدو بخطط إرهابية لتنظيم «داعش»، بما فيها استخدام أجهزة كمبيوتر محمولة لإخفاء قنابل على متن طائرات ركاب، فلن يكون من المستغرب أن تتقاسم الإدارة الأمريكية مثل هذه المعلومات مع مسؤولين روس. إذ إن روسيا نفسها تعرضت لهجمات إرهابية في مناسبات عدة، وهي حليف بالأمر الواقع للولايات المتحدة في الحرب على «داعش».
ولكن الرسالة الضمنية لتقرير «واشنطن بوست»، وما تلاه من تعليقات سياسيين ديمقراطيين بارزين، وحلفائهم في كبريات وسائل الإعلام، هي أن التعاون بصورة وثيقة مع موسكو، حتى في مسائل مكافحة الإرهاب، هو عمل غير مشروع.
وهذا ليس سوى أحدث مظهر لهستيريا معادية لروسيا تزداد حدة في الولايات المتحدة. وأولئك المعادون لروسيا يصفون الرئيس ترامب ومسؤولي إدارته، وكذلك باحثين وصحفيين ليسوا موالين بالضرورة لإدارة ترامب، بأنهم «دمى بوتين»، كلما تبنوا أي موقف غير معاد لروسيا. ومن بين الضحايا البارزين لحملات تلطيخ السمعة هذه، البروفيسور في جامعة برنستون ستيفن كوهين، الباحث منذ زمن طويل في شؤون الاتحاد السوفييتي وروسيا، والصحفي والكاتب البارز غلين غرينوالد، والسياسي والمعلق باتريك بوكانان، والنائب السابق الذي ترشح للرئاسة رون بول، والمعلق البارز دانيال لاريسون.
ومثل هذه الأساليب تردد أصداء المكارثية في الخمسينات، وتهدد بتسميم النقاش العام في الولايات المتحدة. كما أنها تطبق على روسيا ما كانت السياسة الخارجية الأمريكية تطبقه على حكومات أجنبية على مدى عقود، مثل الصين بين الخمسينات والسبعينات، إلى أن اتبع الرئيس ريتشارد نيكسون، ومستشاره هنري كيسينجر، سياسة الانفتاح تجاه بكين، وكوبا منذ الستينات إلى أن اتخذ الرئيس أوباما مبادرة التطبيع في 2014. وهناك حالات مماثلة عدة أخرى، مثلما هي الحال الآن بالنسبة لإيران، وكوريا الشمالية.
ولكن كل سياسات العزل والشيطنة تلك تميزت بسمة واحدة: جميعها انتهت بفشل ذريع. وفي بعض الحالات، كانت تنتهي بكوارث، مثل استراتيجية العداء للصين الشيوعية التي أدت إلى الحرب الكورية الدموية. حتى إن الولايات المتحدة ناقشت مسألة ضرب البرنامج النووي الصيني في بداياته في منتصف الستينات.
وفي ضوء هذا السجل الكئيب، فإن محاولة جعل روسيا بلداً منبوذاً لهي في الجوهر عمل أخرق. إذ إن تعاون روسيا شديد الأهمية في التعامل مع عدد من المشكلات العالمية، مثل الإرهاب، وأزمة كوريا الشمالية. بل إن روسيا تبقى لاعباً مهماً في النظام العالمي. واتباع سياسة سلبية إزاء روسيا، وحتى محاولة عزل هذا البلد الذي يملك آلاف الرؤوس النووية الحربية، لهو عمل طائش. والهستيريا الحالية المعادية لروسيا لا تضر في سياسات أمريكا فقط، بل يمكن أيضاً أن تؤدي إلى عواقب دولية كارثية.

* كبير باحثين في «معهد كاتو» للدراسات الأمريكية وهو متخصص في دراسات الدفاع والسياسات الخارجية – موقع «ذا أمريكان كونسرفاتيف»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى