حوارية الشخصية الإعلامية
عبد اللطيف الزبيدي
قال القلم: لديّ سؤال «فلفل زيادة». قلت: أرجوك، روحي في مناخيري، عطسة واحدة، ثم لا تثنية ولا جمع. قال: كيف حال الإعلام العربي؟ هل هو بخير وعافية؟ لقد جاوز القرن، وبلغ أرذل العمر، ولكن ظاهره «شباب على طول»، فهل يخضع لفحوص سريرية شاملة منتظمة، وتغذية سليمة مع متابعة ومراقبة؟ هل «تنتابه» حالات وعي واستعادة مدارك عقلية صاحية، بين الحين والحين، أم هو دائم السهو والهذيان والقدرة على التحليل وفقدان الذاكرة؟ قلت: ويحك، ما تقول؟ وسائط الإعلام، شاشاتٍ وأوراقاً، لا يحصيها إلا علاّم الغيوب. الوسائط «زي الرز»، أمّا ما هو الإعلام، فيبدو أن الناس أخذوه على المعنى اللغويّ، أي أن وظيفته هي مجرّد وسيلة نقل معلومات وآراء ومواقف على طريقة المتصوفين: «أقول ما يقول أستاذ الأزل».
قال: إن المشكلة الأساسية هي أن الأبواب العالية، هي التي بيدها تفسير الكلمات والمصطلحات والمبادئ، هي التي تحدد المسار للفكر والرأي والتعبير، وفي هذا توجيه قسريّ للسلوكيات المادية والمعنوية. هذا الاتجاه الواحد الوحيد، رأينا نتائجه الغرائبية طوال عشرات السنين. المشهد لا يخلو من الكوميديا، وإن كان مأساوياً. خذ مثلاً الأنظمة التي استمرت في السلطة عقوداً، قبل «الربيع الخِربي»، لقد كان إعلامها الموجه فِرَقاً ماهرة حقاً في الإنشاد العالي، محترفة في تنويع الإيقاعات طبقاً لمستجدات الليالي، ولكن بمجرد سقوط الرموز، غيّرت الدوزان والمقام، وصارت تتجلى بالموسوعية في الإلمام بأدق التفاصيل في مساوئ الماضي. من المدح المطلق إلى الهجاء المطلق. هذا هو ما أسمّيه «إعلام الباذنجان». قلت: وكيف كان ذلك؟ قال: الباب العالي طلب باذنجاناً، فألقى نديمه خطبة عصماء في محاسنه: بهيّ المنظر يسرّ الناظرين، ناعم الملمس، خفيف على المعدة إلخ، فلما شبع مولاه وأمر بإبعاده، ألقى خطبة عصماء في ذمّه: هزيل غذائياً، غير معلوم المذاق، يسبب الحساسية في الشفتين واللسان إلخ. سأله عن التلوّن، فقال: أنا نديم مولاي لا نديم الباذنجان.عدم الصدق لا نهاية لتقلباته.
قلت: إذا صحّ رأيك، فهل تتوهم أن الإعلام العربيّ يجرؤ على القول للأبواب العالية: إنني أطالبكم بأن أكون صادقاً معكم ومع الشعوب، لأن هذا المطلب يخدم الأنظمة والدول والشعوب. أريد أن أتناول الواقع بلا تحريف أو مبالغة، وأن تكون لي صدقيّة وشخصيّة، لكي أساعد الأوطان على اتخاذ القرارات الصائبة وإدارة الأزمات وشق الطريق إلى الغد الأفضل.أليس خدمةً للأنظمة أن تعرف كيف تفكر الشعوب؟ أليس الإعلام الصادق قوة للجميع ومشاركة في ضمان الأمن والاستقرار والازدهار؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الموسيقية: الإعلام العربيّ يشبه الفرق الموسيقية المحترفة، التي تعزف أعمالاً غير احترافية، وقطعاً غير إبداعية.
abuzzabaed@gmail.comOriginal Article