قضايا ودراسات

حوارية الشروط الحضارية

عبد اللطيف الزبيدي

قال القلم: أعددت لك طبق مسائل مفلفلة لاذعة حرّاقة، حتى تنشد على نهج المتنبّي في هذا القيظ: عَرَقٌ على عرق ومثلي يعرقُ. قلت: عليك بالمشي على البيض كأن على رأسك الطير، اليوم الجمعة، والعرب أرواحها في مناخيرها.
قال: إذا كان المسلمون يمثّلون الإسلام، فهذه مصيبة، وإن كان الإسلام تطبيقه يوجد هذه الأوضاع، فالمصيبة أعظم كارثة. أين مكمن الإخفاق؟ لماذا نرى الإمكانات هائلة، والنتائج أهوالا؟ قلت: النظرية غير مسؤولة عن سوء التطبيق. أنت أغفلت الاستعمار، وما نشره من أمّيّة ونهب ودمار، وتغافلت عن الاستبداد والفساد، وتحويله الشعوب إلى أضداد، كل ذلك فرض على الناس الاستعباد وتقسيم خرائط البلاد، فصارت الأمّة «طاجين بونارين». قال: لا شك في أنه لا توجد في كل التاريخ حضارة قامت وازدهرت وتوسعت، ولم تكن وراء بزوغها فكرة روحية، عقيدة أو معتقد ما، مصر القديمة، وادي الرافدين، الصين، الهند، اليونان، روما، الحضارة الإسلامية، حتى حضارة «الأنكا»، لا استثناء في ذلك. ما الذي جعل الفكرة الروحية تتحوّل إلى قيم مضادّة، يذكيها الأجنبيّ بأيدي أبنائها؟ كيف بقيت أشكال العبادات، وانهارت القيم الحضارية؟ القضية ليست هيّنة، فكم عدد الدول الإسلامية، من بين السبع والخمسين، التي شادت تنمية شاملة، تتحلى بقيم حضارية؟ ضع قائمة واطرح ما لا تتوفر فيه الشروط الكاملة، أو حتى القريبة من الكاملة، ستدوّخك النتيجة. هل يكفي الانتماء إلى الدين لكي تتحقق الشروط الحضارية؟
قلت: إن الأمل معقود في ناصية «منظمة التعاون الإسلاميّ»، التي تسعى إلى منافسة شقيقتها الجامعة العربية، في إصدار القرارات والتوصيات. لكن المشكلة تكمن في أن المؤسسين تحدثوا عن ضرورة مواجهة التحديات، ولم يقولوا كيف، ولا مع من ولا ضدّ من، ولا بأيّ الوسائل. الأهم من ذلك هو أنهم كالعادة اتفقوا على ألا يتفقوا، فلا بد من حل الخلافات بينهم في القول والعمل. لم يكن التخلف والأمية وغياب البحث العلميّ يوماً أخطر التحديات. عن أيّ قيم حضارية تتحدث؟ هل القيم الإسلامية هي التي قالت لهم تنازعوا مذهبياً بعد خمسة عشر قرناً من الرسالة؟ هل التعاليم الإسلامية هي التي أوصت بعدم تطوير التعليم وإنتاج العلوم، وانهيار الاقتصاد والإحجام عن التنمية، ونبذ التسامح، وإذكاء التطرف والعنف، وتشويه الإسلام بقمع الحريات وجعل المسلم يخاف في الغرب من أن يعرف الناس أنه مسلم؟ قال: أنا غير قادر على فهم هذه التراجيكوميديا: كيف يستطيع أحد الاحتفاظ بالانتماء، والتخلي عن قيمه الحضارية؟
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغزية: كيف يستطيع أحد أن يكون جسمه في الحاضر، ودماغه في ماض ليس فيه شيء من قيم ماضيه؟.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى