قضايا ودراسات

حين استعار تميم طريقة صدام في التفكير

عاطف الغمري
مشكلة بعض القيادات السياسية تكمن في افتقارها للرؤية الاستراتيجية للأمور، ومتابعة تطورات التحولات السياسية للقوى العالمية، خاصة تلك التي تتعامل معها بشكل دائم. وهو ما يجعلها تجد نفسها وهي تواجه أزمة كبرى، مدفوعة إلى ارتكاب خطأ كارثي، نتيجة عدم إلمامها بهذه الأمور، وانعدام قدرتها على قراءة الأحداث، قراءة سياسية واعية وناضجة.
رأينا ذلك عندما غاب التمييز العقلي عن قراءة صدام حسين، لتحولات دولية فكانت مؤشراتها قد لاحت في الأفق، لكل ذي عينين، يتبصر آفاق المستقبل. ثم ها نحن الآن وقد عدنا لنرى نفس السلوك من الأمير تميم في قطر.
حالة صدام بدأت من إصراره على غزو الكويت معتمداً على علاقة خاصة مع الاتحاد السوفييتي السابق، الذي كان في صراع دولي على النفوذ مع الولايات المتحدة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. وتصور صدام أنه حين يرتكب فعلته الحمقاء والشريرة في الكويت، فسيجد في الاتحاد السوفييتي السابق سنداً له في أي مواجهة مع الولايات المتحدة، أو تدخل من جانبها.
لم تقدر عيناه على أن تتجاوز مدى النظر إلى ما تحت قدميه، ولم تكن لديه القدرة على أن يقرأ جيداً مؤشرات التحول، التي تجسدت بعدها بوقت قصير في تفكك الاتحاد السوفييتي وزواله. من ثم لم يجد إلى جواره حليفاً ينصره حسبما كان يصور له عقله.
الآن – تكررت الحالة – مع بعض الاختلافات نتيجة تغير الظروف الدولية وظهور طموحات قوى إقليمية طامعة في أن تقطف بعضاً من الثمار التي كانت من نصيب القوة الكبرى. وهذا التغيير أمر طبيعي في العلاقات بين الدول.
ثم إن حالة قطر كانت لها جذور وبدايات. فالتمرد المنفلت بدأ ظهوره أيام حكم الأمير السابق حمد بن خليفة، الذي اهتم المتابعون في الغرب بتفسير سلوكه، حيث وصفوه بأنه كان غارقاً في طموحات ترمي إلى تقييد مكانة السعودية باعتبارها الشقيقة الكبرى لدول الخليج، وإنه استخدم عدة وسائل لدفع طموحاته، أبرزها إطلاق «قناة الجزيرة»، التي ركزت على برامج، واستضافة شخصيات بعينها، لتنتقد الدول الإقليمية، وسياساتها، وأوضاعها الداخلية. بالإضافة إلى استخدام «الإخوان المسلمين» كتنظيم مشاغب، له فروعه في دول الخليج، ويمكن تحريك كوادره بسهولة وبالمال، لإثارة التشويش والتشكيك في حكومات دول المنطقة.
كانت قطر منذ حكم حمد، ومن بعده تميم، لا تزال تقرأ في كتب الماضي التي تغيرت، وليس في الحاضر الذي تعيش في رحابه. فهي كانت قد أعطت الولايات المتحدة، الحق في أن تجعل من قاعدة «العديد»، أهم قواعدها العسكرية في الشرق الأوسط، وسمح لها حمد صراحة باستخدامها، فيما يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة، وما وراءها، دون أية قيود أو تحفظات. وهو ما اعترف به في حوارات مع صحف أمريكية.
هذا التفكير القطري، كان هناك ما يحفزه لدى تميم، مثل سياسة أوباما المتواطئة- وفق مبدأ الفوضى الخلاقة- في إشعال الانقسامات في المنطقة، وصولاً إلى دعم إدارته لجماعات إرهابية لتكون أداتها للفوضى. وهو ما اعترف به ترامب بقوله إن «داعش» هو صنيعة أوباما. وقوله أيضاً: إننا سنتوقف عن خطط تغيير الأنظمة. وهو التعبير الذي كانت «الفوضى الخلاقة» والإرهاب، أهم أدواته.
وحين عقدت قمة الرياض، كان تميم – وبنفس عقلية صدام في التفكير – يراهن على قاعدتها العسكرية في قطر، باعتبارها موقع القيادة العسكرية المركزية في الشرق الأوسط، فضلاً عن قاعدة السيلية، وهي محطة مهمة كمخازن لسلاح الطيران الأمريكي في المنطقة.
لهذا اندفع تميم إلى إلقاء خطاب استفزازي في قمة الرياض، ليس فقط في خروج على ما تراه جميع دول الخليج، بل وفي تحدٍ صريح لها، ورفضاً لكل ما قاله شركاؤه في مجلس التعاون الخليجي، عن قضايا أمنهم القومي، والتحديات الخارجية الراهنة لبلادهم وشعوبهم.
تميم لم يستطع أن يقرأ التغييرات المفصلية في الولايات المتحدة، التي جاءت بترامب إلى البيت الأبيض، ولماذا فاز رغم عدم تحمس قيادات الحزب الجمهوري له من البداية، وسر هذا الظهور الجماعي لكتلة انتخابية أعطته أصواتها، وهي تعلن اتفاقها معه في رفض تحكم النخبة في السياسة الخارجية، والتي احتكرت لعشرات السنين وضع سياسة أمريكا في العالم، وخاصة في الشرق الأوسط، ثم إعادة ترامب أولويات سياسته الخارجية ليتصدرها مبدأ الحرب على الإرهاب ومكافحة مصادر تمويله، وهي أشياء تنطبق تماماً على قطر. وهو ما دفع مجلس التعاون الخليجي لاتخاذ قرارات المقاطعة الشاملة إزاء قطر.
وإذ كان ترامب قد وجد نفسه في موقف الموازنة بين أولوياته، وبين مصالح بلاده في قطر، فإنه لم يكن يستطيع التراجع عن أهم مبدأ في استراتيجية سياسته الخارجية وهو الحرب على الإرهاب، بعد أن وجد أمامه وثائق دامغة تثبت دور قطر دعماً وتسليحاً وتمويلاً وإيواءً للمنظمات الإرهابية في كل المنطقة.
لهذا كانت عبارة ترامب حاسمة حين قال: دولة قطر للأسف قامت تاريخياً بتمويل الإرهاب وعلى مستوى عالٍ جداً.Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى