قضايا ودراسات

داء التطرف ودواؤه

أنجزت القمم التي عُقدت في العاصمة السعودية، الرياض، الكثير من الآمال التي كانت تعول عليها الكثير من شعوب المنطقة، بخاصة ما يتصل بالعلاقات الخليجية والعربية والإسلامية مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي شهدت خلال السنوات القليلة الماضية فتوراً لافتاً، بسبب أداء الإدارات الأمريكية المتعاقبة، الذي لم يكن يتواءم مع المعطيات الحقيقية في المنطقة، إضافة إلى بحث التطرف وتوابعه.
القمم الثلاث التي عُقدت في الرياض مع الولايات المتحدة، سواء كانت السعودية أو الخليجية أو العربية الإسلامية، أفصحت عن دور خليجي فاعل في المنطقة، فقد استطاعت المملكة أن تحشد هذا العدد الكبير من قادة العالم ليضعوا أفكارهم أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأن يطرحوا مخاوفهم وملاحظاتهم على مستقبل هذه المنطقة التي تتعرض لكثير من التحديات.
بعد القمم بدأت تتكاثر الأسئلة عن المرحلة اللاحقة، وما الذي يمكن أن يترجم على صعيد تنفيذ الأفكار التي تمت مناقشتها في القمم، وكيف يمكن تجسيد التعاون بين مختلف الأطراف لوضع النتائج، التي تم التوصل إليها، موضع التنفيذ، بخاصة ما يتصل بمكافحة الإرهاب والتحرك الفاعل للقضاء على مخاطره، بخاصة مع تمدد هذه المخاطر، وتجسدت بشكل رئيسي في الهجوم على مدينة مانشستر البريطانية، الذي أودى بحياة العشرات.
من المهم التعاطي مع المخاوف التي تنتاب العالم من استمرار وتفشي ظاهرة الإرهاب، لكن من المهم الإشارة إلى أن مكافحة الظاهرة لن تتم إلّا بتعاون الأطراف كافة، تعاون يبدأ من التعاطي الرسمي مع الظاهرة، وانتهاء بتبني الوسائل الكفيلة بالقضاء على المسببات التي تزيد من انتشارها.
مواقف الولايات المتحدة الأمريكية، ومثلها الدول الغربية حيال التطرف وتحميل طرف واحد المسؤولية عن ذلك، يجب أن تتغير، فالأطراف الدولية كافة ساعدت، بعضها بإدراك، وبعضها بغيره، على تفشي ظاهرة الإرهاب وتمدده ليضرب مختلف مناطق العالم، وليس من المناسب تحميل طرف أو أطراف بعينها مسؤولية التطرف الحاصل اليوم.
بعد قمم الرياض يجب التعاطي مع ظاهرة الإرهاب، كونها مشكلة الجميع، والقضاء عليها مسؤولية الأطراف كافة، فوفق هذا المفهوم سيكون أمام الجميع فرصة التعاون لإيجاد رؤية جامعة لمواجهة الخطر الذي يتهدد الجميع.
وربما يساعد إنشاء مركز «اعتدال» لمكافحة التطرف، وافتتاحه بالتزامن مع زيارة ترامب إلى السعودية في تكريس الوسائل الناجعة لمحاربة هذا الوباء المستفحل، والذي أساء إلى صورة الإسلام والمسلمين، باعتباره العدو الأول المشترك للعالم أجمع.
سيكون المركز أمام مهمة كبيرة في رسم الصورة المستقبلية في كيفية مكافحة الإرهاب والتطرف من خلال رصد مظاهره وتحليلها؛ بغرض التصدي له ومواجهته والوقاية منه، بخاصة وأن المركز يضم عدداً من الخبراء الدوليين المختصين في مجال مكافحة الخطاب الإعلامي المتطرف.
ربما تساعد خطوة إنشاء المركز خطوة متقدمة ليتشارك فيها العالم كله بالتخلص من هذا الإرث السيئ في فكر التطرف، الذي يغزو حياتنا ويشكل خطراً على مستقبل أجيالنا، والشواهد التي نراها اليوم في أكثر من منطقة دليل على تنامي هذا الخطر.

صادق ناشر
sadeqnasher8@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى