قضايا ودراسات

درس من هيراقليطس

شيء من الإغريقي هيراقليطس = قبل أكثر من ألفي عام = قد ينطبق على زماننا هذا.. زمن الطغاة ومربي الإرهاب وحاقنيه بالمال والمرتزقة وحواة الثعابين.. يقول عن هؤلاء: «.. بلا جدوى.. يحاولون الطهارة، ملطخين أجسامهم بالدماء، كمن تمرغ في الوحل، ثم بالوحل صار يرغب أن يغتسل»، وذات مرة جرت بينه وبين أحد الباعة هذه المحاورة «من كتاب قصيدة الإغريق».

البائع:.. ما الوقت؟
هيراقليطس: طفل يلهو، يدفع البيادق، في الانسجام والفوضى.
البائع: والناس؟
هيراقليطس: آلهة فانون
البائع: والآلهة إذن؟
هيراقليطس: أناس خالدون
عن التبن والذهب يقول.. «..تفضل الأحمرة التبن على الذهب»، ويقول في مكان آخر.. «..إخماد الجور أفضل من إخماد الحريق..» وعنده أو في رأيه أن رجلاً واحداً إذا كان الأفضل يساوي عشرة آلاف رجل، ومرة ثانية يتحدث عن الوقت: إنه في رأيه طفل يلهو بالدمى «الوقت مملكة الطفل»، وفي مكان آخر يقول عن مرتزقة اليوم.. «..تنبح الكلاب خلف الذين لا تعرفهم..».. ويضيف.. «.. لا تكن طفلاً يجمع ميراث والده: العادة، أرض جرداء..».. ثم يقول عن الذين ينتفخون كالبلالين من الإطراء والنفاق..«..من شيم الغشيم، بمطلق القول ينتشي..».
نقية، وبالغة الذكاء اختيارات وترجمة محمد بن صالح لهيراقليطس الذي علمنا أننا لا نقطع النهر الواحد مرتين، ومرتين نقرؤه اليوم لكثرة ما ينطبق خطابه الفكري الفلسفي (النقدي والساخر) على أصحاب الدكاكين السياسية والعقائدية المتاجرين بالأديان المسيسة، وأولئك المأجورين المحتمين بين أفراد ودول راعية للإرهاب.
بكلمة ثانية.. هل من حاجة اليوم إلى العودة الواعية لتراث فلاسفة وحكماء وأدباء كبار كانوا قبل آلاف السنوات رجال تنوير وعقول محبة، والبعض من هؤلاء دفع حياته ثمناً لفكره وصدقه الثقافي والشخصي؟ أجل نحن في حاجة إلى مثل هذه العودة بقراءات استقصائية متأنية ودقيقة من شأنها أن تفضح الكثير من الكتبة «النفاخين».. أساتذة مسح الجوخ وركوب موجات السياسة والمال والكراهية.
من بعيد، ومنذ بكرية التاريخ يستطيع آرسطو وسقراط وآيسوب، وهوميروس، وأبو حيان التوحيدي، وابن عربي، والمتنبي، وأبو العلاء المعري، والجواهري، وعبد الله البردوني، وغيرهم وغيرهم.. تعرية وجوه باعة الأقلام وباعة المواقف بنزع الأقنعة عنها بعنف وشجاعة.
لا حاجة لك أن ترد على انتهازي أو مرتزق يرتع في ممالك الشيطان.. اترك التاريخ فقط وحده يتصرف.. اترك هيراقليطس يقول: «الخنازير في الوحل تتمرغ».

يوسف أبولوز
y.abulouz@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى