دعوة أم «بزنس»؟
شاهدتُ أمس فيديو لمن يوصف ب «الداعية» عمرو خالد يروّج لنوع من العطور الذي تقدمه مؤسسة تجارية بعينها، محاولاً، دون أن يوفق، ألا يظهر ذلك الترويج على أنه دعاية وإعلان، حين يقرن حديثه بجمل غير مترابطة عن كونه يحب الجمال، وأن الدين يحث على الجمال، قبل أن يختم حديثه بالقول إن العطور، وبالذات التي تقدمها المؤسسة التي سماها، هي أحد مظاهر الجمال الذي يدعو إليه.
قبل أسابيع قليلة أيضاً شاهدت فيديو آخر لمحمد العريفي الذي يوصف، هو الآخر، بالداعية، وهو في ثيابه العربية ناصعة البياض، حتى لتكاد عيناك تغشى من شدة بياضها، وهو يمرر «المبخر» تحت أطراف غترته التي لا تقل بياضاً عن ثوبه، مُروجاً لنوعٍ بعينه من العود مسمياً أيضاً اسم المؤسسة التي تُسوقه، قائلاً إن نبي الإسلام محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، كان يحب العود.
واستحضرت ذاكرتي ساعتها فيديو آخر مأخوذاً من إحدى حلقات برنامج الإعلامي السعودي المعروف داوود الشرهان وهو يتحدث بحرقة عما فعله نمط من الدعاة في الأمهات الثكالى اللواتي فقدن أبناءهن الذين تحت تأثير خطاب هؤلاء تركوا عائلاتهم وأوطانهم وذهبوا ليفجروا أنفسهم في الأبرياء من خلق الله، تحت يافطة الحث على الجهاد، معدداً أسماء هؤلاء الدعاة، وكان بينهم من يروجون للعطور ودهن العود اليوم في إعلانات مدفوعة الأجر بمبالغ لا يعلمها إلا الله.
بصوتٍ ملتاع من الألم خاطب الشرهان هؤلاء بما معناه: لماذا لا تذهبون أنتم إلى ساحات الوغى، ألا تقولون إنه الجهاد، فلماذا لا تكونون في مقدمة الصفوف تعطون القدوة الحسنة للشباب الذين تحثونهم على ذلك، أو على الأقل لماذا لا ترسلون أبناءكم للجهاد، شأنهم شأن هؤلاء الشبان الذين تدفعون بهم إلى المهالك وبمجتمعاتهم إلى الخراب.
ماذا بوسع أم فقدت ابناً أو أكثر في القتال في أفغانستان أو العراق أو سوريا أو ليبيا أو غيرها، ممن ذهبوا إلى هناك متأثرين بدعوات هؤلاء «الدعاة» حين تراهم في أحلى هندام، وهم يروجون باسمين، منشرحي الصدر، للعطور، داعين للاستمتاع بالحياة، التي حرموا منها مئات، وربما آلافاً من الشبان، الذين تمزقت أجسادهم أشلاء في معارك عبثية، تاركين وراءهم أمهات وأرامل ثكلى وآباء وأخوة ملتاعين.
انتفت صورة الداعية الزاهد، المتواضع، المتبحر في العلوم الدينية والحاث على التسامح والمحبة، لتحل محلها صورة الداعية، النجم التلفزيوني الذي ينافس الممثلين في الاعتناء بمظهره، وتشذيب لحيته، وانتقاء أجود أنواع الصبغة لها، ولا يتردد، مثلهم، عن تقديم الإعلانات، ومثل الممثلين أيضاً لا يتردد في أن يطالب بأعلى الأجور لقاء تقديم «الأدوار».
د. حسن مدن
madanbahrain@gmail.comOriginal Article