قضايا ودراسات

«ديمقراطية» الإنترنت مستبدة أيضاً

لو أن شخصين عربيين مختلفين، أحدهما يعيش في بلده، والثاني مهاجر في أوروبا، دخلا في اللحظة ذاتها، على محرك البحث «جوجل»، وأدخلا كلمة تعريفية واحدة بنفس اللغة، أي العربية، ولتكن هذه الكلمة اسم بلد من البلدان، وليكن مصر مثلاً، فإن ما سيقترحه «جوجل» على المستخدم الأول، لن يكون هو نفسه الذي سيقترحه على المستخدم المهاجر.
قد يقترح «جوجل» على المستخدم الأخير مواد تتعلق بالسياحة في مصر، كأهم المواقع السياحية، أو تعريفاً بالحضارة الفرعونية والنيل ومساجد في القاهرة.. إلخ، فيما قد يقدّم للمستخدم الأول أخبار مصر السياسية، كالتفجيرات الإرهابية في سيناء مثلاً، أو أهم وأحدث أقوال وتعليقات الصحف المصرية يومها.
أكثر من ذلك لو جرّب اثنان في نفس البلد، ولكن لكل منهما اهتمامات مختلفة، أحدهما درس العلوم السياسية أو التاريخ في الجامعة، والآخر شديد الاهتمام بالرياضة، وبكرة القدم بصفة خاصة، أن يكتبا في خانة البحث اسم بلد كإسبانيا، فإن «جوجل» سيقترح على الأول مواد تتصل بتاريخ إسبانيا ووضعها السياسي، فيما سيقدّم للمهتم بالرياضة آخر أخبار فريقي رويال مدريد وبرشلونة مثلاً.
هذه الفرضيات مستوحاة من محاضرة قصيرة لباحث في وسائل التواصل الحديثة وناشر، قدَّمها أمام جمهور مختص، ينبهنا فيها إلى أنه تيسرت لكل شبكات التواصل مثل «جوجل» و«فيسبوك» وغيرهما قاعدة بيانات هائلة عن ميول واهتمامات المستخدمين، تستقيها من مصادر مختلفة، بينها بلد المستخدم ولغته ونوع الجهاز الذي يدخل منه، سواء كان حاسوباً محمولاً أو هاتفاً ذكياً وموديليهما، ما يساعد على تكوين فكرة عن الوضع المادي للمستخدم، كما أنه يرصد المواقع التي يزورها هذا المستخدم عادة، تتشكل في قاعدة البيانات فكرة عن اهتماماته وميوله.
لذا فإنك حين تطلب بيانات حول موضوع ما تقوم الشبكة بتحليل فوري لما هو متاح لديها من معلومات عنك، ثم تقوم، بناء على ذلك، بانتقاء ما تراه هي مناسباً لك من مواد، التي لا تشكل إلا حيزاً ضئيلاً مما هو متيسر لديها، ولا تغطي بالضرورة ما طلبته وتحتاجه.
يصف المحاضر نفسه بأنه تقدمي التفكير، لكن ضمن قائمة أصدقائه على «فيسبوك» مجموعة من الأصدقاء المحافظين الذين يهمّه مطالعة ما ينشرونه على صفحاتهم، ولكنه لاحظ مع الوقت أن «فيسبوك» أخفى هؤلاء من قائمة آخر المنشورات التي نجدها في خانة «هوم»، حكماً أن المستخدم ينقر في الغالب الأعم على المواقع ذات الميول الليبرالية، فقرر «مارك زوكربيرج» أن سواها لا يعني المستخدم، فاستبعدها من الأولويات على خلاف رغبة الأخير.
غاية القول: إن «ديمقراطية» الإنترنت هي الأخرى انتقائية ومقيدة وتعسفية، وتحت السيطرة.

د. حسن مدن
madanbahrain@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى