قضايا ودراسات

رؤساء أمريكا وفلسطين

لن نذهب في التاريخ بعيداً ونحن نتحدث عن طريقة تعاطي الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع القضية الفلسطينية، وبشكل عام مع ما بات يعرف ب «الصراع العربي – «الإسرائيلي»، أو للتعويم: أزمة الشرق الأوسط، بل يكفينا رصد ذلك خلال العقدين الماضيين، أو الثلاثة عقود المنقضية.
هذا الرصد سيظهر أن هذه الإدارات المتعاقبة، كلها وبدون استثناء، جمهورية كانت أو ديمقراطية، تبدأ سنتها الأولى بإظهار درجة أو درجات، تتفاوت بين الواحدة والأخرى، بمسألة تحقيق حل للصراع في المنطقة، قد يبلغ حد تعيين مبعوث خاص دائم لها يجول المنطقة في رحلات مكوكية بين العواصم العربية المعنية وتل أبيب تتخللها عودات لواشنطن للتشاور مع إدارته قبل أن يعود ثانية محملاً باقتراحاتها.
وقد يبلغ الأمر حد أن يقوم وزير الخارجية في الإدارة المعنية نفسه بهذا الدور، على نحو ما شاهدناه في جولات وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر والتي أفضت فيما بعد إلى اتفاقيات كامب ديفيد سيئة الذكر، أو في جولات وزير الخارجية بإدارة أوباما الراحلة جون كيري، والتي لم تفض إلى شيء.
بعد عامين أو ثلاثة تنشغل الإدارة الجديدة بالانتخابات الرئاسية الوشيكة، حيث على الرئيس أن يحسب خطواته ببالغ الحذر كي لا يثير حفيظة اللوبي اليهودي، والصهيوني تحديداً، لا بل أن يحرص على كسب وده، فيتراجع اهتمام الإدارة بالصراع في منطقتنا، أو يُوجه في الوجهة التي ترضي «إسرائيل» وداعميها في الولايات المتحدة.
في حال كسب الرئيس ولاية جديدة وبات حراً من هاجس التجديد له، قد يعاود الاهتمام بالمنطقة، لكن دون أن يظهر إرادة أو حتى رغبة في حمل «إسرائيل» على قبول تسوية متوازنة تعطي الفلسطينيين والعرب بعض ما يطالبون به من حقوق، كي لا نقول كلها، وهكذا نظل ندور في الدائرة المفرغة التي تكرر نفسها بشكل مقيت ومقزز.
سنكتشف أن هذه الدائرة المفرغة هي نفسها التي قدمت وتقدم ل «إسرائيل» الفسح الزمنية المطلوبة للتمادي في نهجها العدواني، سواء بشن الحروب على الفلسطينيين أو غيرهم من العرب، أو بابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية عبر سياسة الاستيطان التي تزداد تغولاً، والتي تجعل فكرة حل الدولتين، حسب القرارات الدولية، فكرة غير ممكنة، فعلى أي أراض ستقام دولة فلسطين المنشودة بعد إن اجتاح الاستيطان مدن وبلدات الضفة، واستفحل مخطط تهويد القدس، التي يفترض فيها أن تكون عاصمة فلسطين؟ لن يكون الأمر مختلفاً مع إدارة ترامب الجديدة، هو الذي كرر في زيارته لتل أبيب شروط نتنياهو لبلوغ «الحل»، الذي يعادل تصفية ما تبقى من حقوق وتطلعات للشعب الفلسطيني، مستغلاً حال الانهيار العربي الراهنة.

د. حسن مدن
madanbahrain@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى