قضايا ودراسات

رؤساء أمريكا وكشف المعلومات السرية

تقرير توثيقي لمحطة ال «بي بي سي»

دافع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن «حقه المطلق» في مناقشة مسائل حساسة حول الإرهاب، وأمن الطيران المدني خلال اجتماعه في البيت الأبيض مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف مؤخراً.
ضجت وسائل الإعلام الأمريكية بتقارير تقول إن ترامب كشف للوزير لافروف معلومات تسلمتها الولايات المتحدة من دولة حليفة لم تأذن لواشنطن بتقاسم هذه المعلومات مع أي كان.
وحسب تقارير وسائل الإعلام الأمريكية، فإن هذه الدولة الحليفة هي «إسرائيل»؛ لكن البيت الأبيض لم يعلق على هذه التقارير. وكان ترامب قد استقبل لافروف والسفير الروسي لدى واشنطن سيرجي كيسلياك في البيت الأبيض يوم 10 مايو/ أيار، دون حضور وسائل الإعلام الأمريكية، وعبر زعماء الحزبين الجمهوري والديمقراطي عن القلق إزاء ما قيل خلال الاجتماع، في حين طلبت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ من البيت الأبيض نسخة عن محضر الاجتماع.
وتحدثت وسائل الإعلام الأمريكية، إلى جانب سياسيين أمريكيين، عن أن ترامب أفشى أسراراً حساسة لضيفيه الروسيين؛ لكن كشف مثل هذه المعلومات ليس مخالفاً للقانون الأمريكي؛ حيث إن رئيس الولايات المتحدة لديه السلطة لرفع السرية عن معلومات. وقد قال ترامب في تغريدة عبر «تويتر»: «بصفتي رئيساً، أردت أن أتقاسم مع روسيا، وأنا لدي الحق المطلق في أن أفعل ذلك، وقائع تتعلق بالإرهاب وسلامة رحلات الطيران».
وقال ترامب في تغريدة ثانية: «فعلت ذلك لأسباب إنسانية. علاوة على ذلك، أردت أن تكثف روسيا محاربتها ل«داعش» والإرهاب».
ولو كشف مسؤول في حكومة أي دولة أخرى مثل هذه المعلومات، لكان من الممكن أن يخسر حقه في الإطلاع على أسرار الدولة، ولربما تعرض حتى إلى اتهامات قضائية بموجب قوانين التجسس.
ولكن رئيس الولايات المتحدة يتمتع بصلاحيات واسعة لرفع السرية عن معلومات، ما يعني أن كشف ترامب عن معلومات سرية وإبلاغها لروسيا ليس مخالفاً للقانون. وكما قال ستيفن أفترجود، الاختصاصي في السرية الحكومية لدى «جمعية اتحاد العلماء الأمريكيين»، في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن هذه المسألة «هي تعبير عن السلطة الرئاسية، وهذا يعني أن الرئيس والمكلفين من قبله يقررون ما هو سري، ولديهم سلطة غير محدودة لرفع السرية عن المعلومات كما يشاؤون». ولكن في المقابل، من الممكن أن يكون ترامب قد تسبب بضرر لعملية تقاسم المعلومات الاستخباراتية مع دولة شريكة إذا كان قد كشف عن معلومات دون تصريح من الدولة الشريكة التي قدمت هذه المعلومات.
ويقول المراسل الأمني لمحطة ال «بي بي سي» فرانك جاردنر: «هناك قاعدة ذهبية في عالم التجسس تقضي بأنه عندما تقدم حكومة معلومات استخباراتية إلى حكومة أخرى، فيجب ألا تكشف هذه المعلومات لطرف ثالث دون تصريح من الحكومة التي كانت المصدر الأصلي للمعلومات». وشرح جاردنر: «السبب بسيط: فهذا (كشف المعلومات إلى طرف ثالث) يمكن أن يعرض للخطر حياة المخبرين الذين كانوا في الأصل مصدر المعلومات».
وبرأي بعض الخبراء، مثل الأمريكي أيليوت كوهين، الذي سبق أن عمل مسؤولاً كبيراً في وزارة الخارجية في عهد الرئيس السابق جورج بوش، فإنه إذا كان كشف مثل هذه المعلومات السرية إلى طرف ثالث قد تم بصورة عرضية ( غير مقصودة)، فهذا يعد سبباً لإقالة الشخص المتسبب من وظيفته، أما إذا كان ذلك غير متعمد، فهذا سيعد «خيانة».
ولكن مثل هذا التفسير يذهب بعيداً جداً. فحسب نصوص الدستور الأمريكي، لا يمكن اعتبار ما فعله الرئيس ترامب خيانة، إلا إذا كان كشف معلومات سرية يساعد دولة في حالة حرب مع الولايات المتحدة. وهذا لا ينطبق على روسيا، رغم كل التوتر الحالي في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا.
وفيما يتعلق بمسألة ما إذا كان يتعين على الكونجرس أن يحاكم ويقيل الرئيس ترامب، حسبما يطالب البعض في الولايات المتحدة، فإن هذا يعد أمراً مستبعداً؛ لأن الرئيس ترامب لم يخرق قسمه الرئاسي ( الذي يقول: «أقسم ( على الكتاب المقدس) وأقر بأنني سوف أقوم بتنفيذ متطلبات منصب رئيس الولايات المتحدة بكل أمانة، وسأبذل كل جهدي للحفاظ على دستور الولايات المتحدة وحمايته والدفاع عنه» ).
وحسب الكاتب الأمريكي ديفيد بريس، الخبير في تاريخ الرؤساء الأمريكيين، فإنه ليس من النادر أن يكشف البيت الأبيض عن معلومات سرية إلى حكومات أجنبية. وعلى سبيل المثال، كان الرئيس جورج بوش يطلع عدة قادة أجانب على تقارير استخبارات سرية يومية، بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، ورئيس الوزراء الياباني جونيشيرو كويزومي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى