قضايا ودراسات

رؤية فرنسية للمغرب العربي

مفتاح شعيب

يحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الوفاء بتعهداته الانتخابية المتصلة بتطوير علاقات باريس بالمغرب والجزائر وتونس، من خلال تجديد التأكيد على أن تلك المنطقة هي العمق الاستراتيجي لفرنسا، بينما تعمل الدول المغاربية الثلاث على أن تكون العلاقة استراتيجية ومتوازنة، وهي مواقف تكررت مع الإدارات الفرنسية المختلفة، ولكنها لم تحقق نتائجها المرجوة بعدما تغلبت «العقلية الاستعمارية» الفرنسية على الرغبة الصادقة في إرساء توجه نحو التعاون مع المستعمرات الثلاث السابقة.
الإدارة الفرنسية الجديدة بقيادة ماكرون تريد أن تبدأ بمقاربة جديدة تقوم على الشراكة وحل المشكلات المثيرة للتوتر. ومنذ الأيام الأولى لتسلمها مقاليد الحكم في الإليزيه وإجراء الانتخابات التشريعية وتشكيل حكومة العهد الجديد، تم تسجيل مساع فعلية لوضع مقاربة متطورة للاستفادة مع الإرث التاريخي بين فرنسا ومستعمراتها السابقة الشمال إفريقية. وإذا كانت العلاقة بين باريس وكل من الرباط وتونس مستقرة نسبياً، فإن العلاقة مع الجزائر مازال يعكرها الماضي الاستعماري الفرنسي البغيض. وتجد هذه النقط بعض التفهم لدى ماكرون الذي سبق أن اعتبر الاستعمار «جريمة ضد الإنسانية وهو جزء من هذا الماضي الذي يجب أن نواجهه بتقديم الاعتذار لمن ارتكبنا بحقهم هذه الممارسات»، وقد قال هذه التصريحات خلال زيارته إلى الجزائر في شهر فبراير الماضي في غمرة الانتخابات الرئاسية. وبعد أن أصبح رئيسا، ربما لا يستطيع الوفاء بهذا التعهد حرفيا، ولكنه سيمهد إلى تجاوزه، لا سيما وأن هذا الجرح قد تعمق بعد أن تم إعلان قانون «تمجيد الاستعمار» الذي سنته الأغلبية المحافظة عام 2005 في عهد الرئيس الأسبق جاك شيراك، قبل أن تزداد العلاقات بين البلدين توترا في عهد نيكولا ساركوزي الذي ما فتئ يتطاول على الجزائر وحتى التآمر عليها بسبب موقفها الرافض للتدخل العسكري الغربي في ليبيا.
النخبة الفرنسية الشابة بقيادة ماكرون وحزبه «إلى الأمام» تريد أن تتجاوز هذه المرحلة مع الجزائر وبقية الدول المغاربية الأخرى، والإشارات الصادرة من باريس تشير إلى استراتيجية متكاملة قيد البحث، ربما سيتم عرضها العام المقبل، بعد زيارتين مقررتين لماكرون إلى الجزائر وتونس. وفي هذا السياق أيضا يزور رئيس الوزراء إدوارد فيليب المغرب بعد زيارة الشهر الماضي إلى تونس. وبينما يظهر أن الشأن الاقتصادي والاستثمار هو المسيطر على الاجتماعات، يحتل الجانب الأمني والسياسي حيزاً كبيرا لأنه التحدي الأكبر. ولا شك أن باريس تضع استقرار منطقة المغرب العربي في صدارة أولوياتها، ومن أجل ذلك تعمل مع شركائها على احتواء المخاطر المنبعثة من ليبيا الغارقة في الفوضى، بالتزامن مع خطط أوروبية، ترغب فرنسا في تزعمها، لمكافحة الهجرة والتسرب الإرهابي. ومن غير الممكن أن يتم تحقيق هذه الغاية ما لم تكن هناك شراكة حقيقية مع الدول المغاربية التي تميل بحكم المؤثرات التاريخية والثقافية إلى التعامل مع باريس، ولكنها تشترط حفظ مصالحها سواء بسواء مع المصالح الفرنسية.
الصداقة الاستثنائية التي ترغب فرنسا في إقامتها مع الدول المغاربية، لها شروط وأثمان يترتب على باريس تلبيتها، وفلسفة هذه المرحلة من العلاقات الدولية تفرض منطقاً جديداً يقوم على الشراكة الكاملة، بعدما ولى عصر التباين بين الدول استناداً إلى معايير استعمارية سادت طويلاً في العالم القديم.

chouaibmeftah@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى