قضايا ودراسات

رحيل «في آي بي»

للرحيل لغتان باكيتان: بكاء مكلل بالنصر.. لاندثار ألم ما، أو لاندحار قاتلي الفرح والطمأنينة. وبكاء مكبل بالحزن.. لانكسار أمل ما، أو لارتحال عزيز على القلب وعلى الذاكرة الحياتية اليومية بكل تفاصيلها وفصولها وفواصلها. هذا الارتحال الذي يأخذ الأشكال المختلفة المعنى والمرمى: فإما ارتحال ينحى نحو الصيغة المؤقتة لأن عودة ما منتظرة وعلى الخاطر، أو ارتحال ينحى نحو الديمومة بالوجه الذي يدخل في دورة الخلود الأبدي، ممثلاً بالموت الذي لا يعلم متى يحين للناس وأين مصيره الأزلي في آخرة الحياة.
هنا، نشير إلى ال (رحيل) الذي خرج إلى النور منذ ثماني سنوات خلت، عبر «دار الانتشار العربي» ببيروت في أواخر العام 2009 للأديب الشاعر العماني عبد الله حبيب، الذي ضم نخبة من مثقفي الوطن العربي، مجتمعين معا برابط الإبداع ولغة الموت الذي تتعدد أساليبه وأزمنته وقوته. مثقفون غيبهم الموت في أزمنة مختلفة، إذ احتفى بموتهم عبد الله حبيب بطريقة رثائية إبداعية لغوية مخلصة للذات الإنسانية وللسيرة الثقافية لأولئك الموتى جسداً، فيما أرواحهم تحلق في فضاءات المشهد الإبداعي العربي الخالد في حياة الثقافة والمثقفين.
في كتاب كهذا، يضم نخبة من الموتى المثقفين الجميلين، يأتي الأديب الإماراتي الشمولي جمعة الفيروز المرتحل إلى الله في 21 فبراير 2001، وفيلسوف الشعر الإماراتي الحديث علي العندل الذي صعدت روحه إلى السماء في 5 يونيو 2004. وفي مناسبة استعادية كهذه، يقفز السؤال كما لو أنه أرنب بري: ماذا لو تبنت إحدى الجهات الثقافية في الإمارات، إصدار دليل أو معجم بالراحلين المثقفين بما يتضمنه جانباً مقتضباً من سيرهم الإبداعية والثقافية نظير ما أسهموا به في المشهد الثقافي المحلي والعربي؟، وماذا لو أن هذا الإصدار تتجدد معلوماته كل خمس سنوات لما سوف نفقده من مبدعين خلال الفترة الفاصلة بين إصدار وآخر؟، ولتكن تلك الجهة مثلاً «وزارة الثقافة وتنمية المعرفة» بالتعاون مع «اتحاد كتاب وأدباء الإمارات» لما يربطهما معاً من اتفاقيات ثقافية متعددة الأوجه والجوانب والاهتمامات المشتركة.
إننا، بمعجم الراحلين المثقفين هذا، سنحفظ للذاكرة الثقافية الوطنية ماء وجهها أمام الأجيال القادمة التي من المؤكد أنها ستتساءل عن الحركة الثقافية الإماراتية في الزمان والمكان، في القرن العشرين مثلاً أو في قرون قبله أو بعده، وعن رموزها الذين أثروا المشهد الثقافي المحلي والعربي على حد سواء. مما لا يسعنا إلا أن نتمنى لفكرة المعجم المقترح هذا أن تحظى بأذن صاغية وفكر ناصع، لا أن تكون عابرةً كسحابة صيف لا ماء في ضرعها ولا تسمن ولا تغني من جوع أو عطش.
وفي مناسبة مقترح معني بمعجم ثقافي توثيقي كهذا، لا يسعنا إلا أن نشد على أيدي «مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية» التي أطلقت سلسلة «أعلام من الإمارات» المعنية بالمثقفين الإماراتيين الراحلين، ولم تُوقف تحليقها في فضاء المشهد الثقافي المحلي والعربي والعالمي العام.
عبدالله محمد السبب
a_assabab@hotmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى