«روسيا الصغيرة»
بالنسبة للحكومة الروسية، فإن إقليمي لوغانسك ودونيستك الانفصاليين في شرقي أوكرانيا يمثلان «كروت» لأهداف سياسية مختلفة، فهي من ناحية صالحة لإضعاف الحكومة الأوكرانية المعادية وإظهار ضعفها وهشاشتها، حتى لا تمضي بعيداً في خصومتها لزعيم الكرملين وابتزازه.
أما من الناحية الأخرى، فإن العجز الأوروبي عن إيجاد حلول للنزاع الانفصالي الذي يهدد بتمزيق أوكرانيا يجعل الحاجة إلى المساعدة الروسية ضرورية وملحّة، كونها الدولة الراعية للجماعات الانفصالية والقادرة على فرض الحلول عليهم. وهو وضع يجعل موسكو في موقف الدولة التي تفرض شروطها على القيادات الأوروبية وتجبرها على القبول والموافقة عليها.
وفي منتصف الأسبوع الماضي، أعلن قادة جمهورية دونيتسك، إضافة إلى ممثلي 19 مقاطعة أوكرانية، ولادة دولة جديدة تحت اسم «روسيا الصغيرة» لتحل محل أوكرانيا.
ونصت الوثيقة الدستورية التي أعلنها في مدينة دونيتسك ألكسندر تيموفييف، نائب رئيس الحكومة، على تأسيس دولة جديدة، تكون وريثة قانونية لأوكرانيا، لأن تسمية أوكرانيا فقدت مصداقيتها. وقال رئيس الجمهورية الانفصالية ألكسندر زاخارتشينكو، إن إعلان الدولة الجديدة فرضه عجز نظام كييف عن إيقاف الحرب الأهلية التي خلّفت آلاف القتلى ووصول النزاع إلى طريق مسدود.
وعلى الرغم من أن اقتراح الدولة الجديدة لا يبدو واقعياً، إلا أن مجرد طرحه على الطاولة بما ينطوي عليه من إمكانية تغيير مصير الدولة بكاملها وليس إقليماً صغيراً على حدودها، كاف بحد ذاته لإثارة قلق الدول الأوروبية على مستقبل حليفها الرئيس بيترو بوروشينكو الذي يسعى للإفلات من فلك التأثير الروسي، والاندماج في المنظومة الأوروبية وحلفها العسكري.
وقد سعت موسكو إلى تهدئة هذه المخاوف من دون أن تغفل عن حقيقة أن اقتراح حلفائها الانفصاليين يقدّم لها الخصوم الذين ترغب في استرضائهم على طبق من ذهب.
لقد عزز اقتراح الدولة البديلة الموقف الروسي أكثر فأكثر وجعل موسكو الدولة التي لا غنى عنها لحل هذه الأزمة المستعصية الجديدة، وخلق استعدادات لدى الدول الأوروبية الكبيرة للانخراط مع روسيا في عملية سياسية معقدة تنطوي على ملاحظة الاشتراطات التي كانت ترفضها في الظروف العادية. ولكن ما النوايا الروسية وما طبيعة التنازلات التي تطلبها من قادة أوروبا؟
على المديين القصير والمتوسط فإن روسيا تسعى إلى قلب العلاقات العدائية مع الاتحاد الأوروبي إلى شراكة «أوروآسيوية» سياسية واقتصادية تكون أوكرانيا خلالها منطقة منزوعة السلاح ومنصة للسلام والتكامل التجاري بدلاً من كونها مهدداً في خاصرة موسكو، على أن تكون هذه الشراكة «الأوروآسيوية» مستقلة عن خصمها الأمريكي القابع خلف البحار والمحيطات، وأن تعمل على المدى الطويل إلى حصاره وإضعافه.
فيصل عابدون
Shiraz982003@yahoo.com