قضايا ودراسات

زعيم «العمل» الجديد.. استمرار للقديم

د. فايز رشيد

إدانة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للعملية البطولية التي جرت يوم الجمعة، في باحات المسجد الأقصى، غير مفهومة، كما تهنئته لزعيم حزب العمل الجديد، الصهيوني آفي جاباي، هي أيضاً في غير محلّها. ذلك أن العمل والليكود وجهان لعملة واحدة. صحيح أن استطلاعات الرأي التي قامت بها القناتان الصهيونيتان الثانية والعاشرة، بيّنت أن حزب العمل برئاسة غاباي يقلّص الفجوة بينه وبين حزب الليكود الحاكم، ويتجاوزَ حزب «يوجد مستقبل» الذي يترأسه وزير المالية السابق يائير لابيد، هذا إن جرت الانتخابات في هذا الوقت، وأن الليكود سيحصل على 25 مقعداً والعمل برئاسة غاباي على 20 مقعداً، وحزب «يوجد مستقبل» على 18، وحزب «البيت اليهودي» والقائمة العربية المشتركة على 13 مقعداً لكل منهما، لكن ليس هناك ما يشي بإمكانية أن يترك الائتلاف الحزبي الحالي سدّة الحكم في الكيان الصهيوني
ثم إن التقسيمات الصهيونية لوجود معسكرات لليمين والوسط واليسار في الكيان هي افتراء على الحقيقة، وعلينا ألا نقع عربياً في فخ هذه التسميات. ففي النتيجة كلهم صهاينة. صحيح أن بعض الأحزاب ترفع شعارات برّاقة، لكن المدقق في مسلكيتها، وبعض شعاراتها يجد، وبلا أدنى جهد، أنها ليست أكثر من لعبة إعلامية، لا تعكس حقيقة التوجهات السياسية للأحزاب في كثير من القضايا، خاصة في ما يتعلق بالصراع والتسويات المطروحة، سواء مع الفلسطينيين أو العرب. فمثلاً يتصور الكثيرون منا أن فوز حزب «العمل» سيكون «أرحم» من فوز الليكود. لكن العمل يتحدث في شعاراته عن العدل والمساواة والتسوية العادلة مع الفلسطينيين، وشعاراته تخاطب الفقراء وتدّعي الدفاع عن مصالحهم، وغير ذلك من الكلام الرنّان، ثم لا يلبث مرشحوه وبعد نجاحهم أن يتنكروا لكل شعاراتهم السابقة.
من الأمثلة البارزة على صحة ما نقول، مواقف حاييم هرتزوغ زعيم الحزب السابق، وكل رؤسائه، بدءاً من ديفيد بن جوريون، مروراً بليفي أشكول، وجولدا مائير، ورابين، وباراك، وبيريز، وصولاً إلى جاباي اليهودي المغربي الأصل الذي لو امتلك ضميراً حيّاً لعاد إلى بلده الأصلي وترك الكيان الصهيوني.
معروف أيضاً، أن لحزب العمل مواقف الليكود نفسها من التسوية: لا انسحاب من القدس الشرقية التي ستبقى العاصمة الأبدية والموحدة للكيان، لا انسحاب من كل الحدود المحتلة في عام 1967، لا عودة للاجئين، لا سيادة للدولة الفلسطينية العتيدة، لا لإلغاء التجمعات الاستيطانية الكبرى من الضفة الغربية، ولا انسحاب من الجولان، ولا تراجع عن ضمها، وغير ذلك من المواقف.. فبماذا يختلف العمل عن الليكود؟ للعلم، لقد انفرد حزب العمل بالحكم في الكيان طوال السنوات التسع والعشرين الأولى لقيامه، وهو الذي قاد الحروب الصهيونية التوسعية بدءاً من العام 1948، مروراً بالعام 1956، والعامين 1967 و1973، وهو أيضاً الذي وطّد الترسانة العسكرية والنووية «الإسرائيلية». ويكفي أن نذكر في هذا المجال أن المبادر والأب الروحي لمشروع الكيان النووي هو شمعون بيريز.
كان حزب العمل على مدى سنوات طوال إما حاكماً، أو بديلاً للحكم، وشارك الليكود في الحكم في خمس حكومات، وهو الذي خاض مسار أوسلو الكارثي. وبعد أن تسلم الحكم في العام 1999، بزعامة ايهود باراك الذي أعلن أنه يريد التقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين وسوريا لكنه أفشل كلا المسارين، وقاد عدواناً خطيراً على الضفة الغربية وقطاع غزة.
كذلك فإن حزب العمل عاجز عن الظهور بخطاب سياسي يتميز به عن خطاب الليكود، أو تسويق هذا الخطاب في الشارع الصهيوني لإقناعه بأنه هو البديل. أيضاً لا تزال استطلاعات الرأي تقول إن حزب العمل لن يحقق طفرة في قوته الانتخابية في الانتخابات المقبلة، فهو حتى لو تجاوز قوته الهزيلة في حال تغيّرت الاصطفافات الانتخابية، فإن الشارع الصهيوني (وفقاً لكل استطلاعات الرأي الأخيرة) يتجه متسارعاً نحو المزيد من التطرف، الأمر الذي يجعله أقرب إلى الليكود.
وهناك الكثير من العرب ممن يراهنون على حزب العمل، ولكن السؤال الأهم الذي يجب أن يسبق هذه المراهنة هو: هل حزب العمل معني بإحداث تقدم جدي وفعلي، يقود إلى تسوية كما تطالب بها السلطة الفلسطينية كحدّ أدنى؟ هذا مستحيل، فبيريز نفسه، وقف في وجه ايهود باراك في العام 2000 حينما سرت شائعات حول مبادرة بيل كيلنتون، وقال بيريز يومها: «لو كنت أنا مكان باراك لما أعطيت الفلسطينيين ما أعطاهم»!. هذا الإرث لن يغيره جاباي.. يا سيادة الرئيس محمود عباس.

Fayez_Rashid@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى