قضايا ودراسات

سؤال يتجدد: من اغتال كينيدي؟

جاكوب هورنبرغر *
منذ عقود وروسيا هي الهاجس الأكبر للولايات المتحدة. والاتهامات الموجهة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب هي نفسها التي وجهت إلى الرئيس الأسبق جون كينيدي ومن ثم اغتياله .

لننظر في الاتهامات التي وجهت إلى الرئيس:
– 1 – لقد خان الدستور الذي أقسم على حمايته.
– 2 – ارتكب خيانة بمصادقته روسيا وأعداء آخرين لأمريكا.
– 3 – أخضع مصالح أمريكا لروسيا.
– 4 – حاول من خلال أكاذيب عجيبة خداع الشعب الأمريكي، بما فيها أكاذيب شخصية تتعلق بزواج سابق وطلاقه.
هل هو الرئيس دونالد ترامب؟
كلا، إنه الرئيس جون ف. كينيدي.
إن ما لا يعرفه العديد من الأمريكيين، لأن أحداً لم يقل لهم الحقيقة، هو أن ما يعانيه ترامب اليوم على أيدي مؤسسة الأمن القومي، ووسائل الإعلام الرئيسية، واليمين الأمريكي، الذين يتهمونه ب«التواطؤ مع روسيا»، ليس شيئاً بالمقارنة مع ما عاناه كينيدي بارتكابه «جريمة» الإانفتاح على روسيا، وبقية الاتحاد السوفييتي، وسعيه لحوار بروح من السلام والصداقة.
لقد أبغضوه بسبب ذلك. وشهروا به، وشتموه. وحقروه. ووصفوه بالساذج. وقالوا حتى إنه خائن.
وكل هذا التهجم والعداء، وغير ذلك كثير، ظهر مكتوباً على لوحات إعلانات، ويافطات، ومنشورات وزعت في مدينة دالاس صبيحة يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1963، يوم اغتياله.
ومنذ ذلك الحين، كان بعض الناس يحاولون تصوير الاغتيال على أنه تعبير عن مواقف يمينية متطرفة في دالاس. ولكن هذا هراء. فالاغتيال كان تعبيراً عن قناعات هيئة أركان الجيش، ووكالة الاستخبارات «سي آي إيه»، والتيار المحافظ، والمؤسسة الحاكمة، وكثيرين في وسائل الإعلام الرئيسية.
في يونيو/حزيران 1963، كان كينيدي اتخذ موقف تحد في كلمة ألقاها في الجامعة الأمريكية وأصبحت تعرف اليوم ب«خطاب السلام». وقد كان بالفعل أحد أهم خطب السلام التي ألقاها رئيس أمريكي يوماً.
في ذلك الخطاب، أعلن كينيدي أنه في طريقه لإنهاء الحرب الباردة وموقف العداء تجاه روسيا، وبقية الاتحاد السوفييتي، وهو العداء الذي غرسته مؤسسة الأمن القومي الأمريكية في عقول الشعب الأمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وكان ذلك موقفاً ثورياً، كما كان خطراً جداً، وهو ما كان كينيدي يدركه. إذ إن الحرب الباردة ضد حليف وشريك أمريكا في الحرب العالمية الثانية استخدمت من أجل تحويل الولايات المتحدة من جمهورية لديها حكومة محدودة – كما تصورها الآباء المؤسسون – إلى دولة أمن قومي، دولة تتكون من مؤسسة عسكرية ضخمة ودائمة تمارس سلطات طغيانية، مثل الاغتيالات، والانقلابات، والغزوات، وتغيير الأنظمة، والتعذيب، ومراقبة المواطنين، وما إلى ذلك. والجميع كانوا مقتنعين بأن هذا هو ما وصفه سلف كينيدي، الرئيس دوايت أيزنهاور، ب«المجمع العسكري – الصناعي».
وفجأة، أصبح كينيدي مثير المتاعب الذي يهدد بإنهاء الحرب الباردة وإرساء علاقة تعايش سلمي وصداقة مع روسيا، وبقية الاتحاد السوفييتي، وكوبا.
وقد كان كينيدي يدرك تماماً أن هناك من يعتبرون سياساته هذه تهديداً خطراً ل،«الأمن القومي». وكينيدي لم يكن غبياً. لقد كان يدرك تماماً مضامين سياساته. وقد سمع أيزنهاور وهو يحذر الشعب الأمريكي في خطابه الوداعي من التهديد الذي تشكله المؤسسة العسكرية لحرية الأمريكيين، ونمط حياتهم الديمقراطي.
وفي الواقع، بنظر مؤسسة الأمن القومي لا يمكن لرئيس أن ينفتح على روسيا، أو كوبا، أو أي «عدو» آخر لأمريكا. وأن يفعل كينيدي ذلك كان بنظرهم خيانة وتهديداً ل«الأمن القومي».
وكينيدي لم يتوقف عند خطاب السلام. فقد أتبعه بالتفاوض مع السوفييت حول معاهدة لحظر إجراء تجارب نووية فوق سطح الأرض، وهو ما أثار مزيداً من الغضب داخل "البنتاغون"، وال«سي آي إيه».
وقد عبأ كينيدي الرأي العام في محاولة للتغلب على المعارضة الضارية لسياساته تلك من قبل الجيش، وال«سي آي إيه»، والكونغرس، والمؤسسة الحاكمة في واشنطن.
والأسوأ من كل ذلك، من وجهة نظر مؤسسة الأمن القومي، كان أن كينيدي بدأ مفاوضات شخصية سرية مع الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف، والزعيم الكوبي فيدل كاسترو، من أجل وضع حد للحرب الباردة الأمريكية ضدهما. وهذا ما اعتبر تهديداً خطراً ل«الأمن القومي».
ورداً على ما قيل في لوحات الإعلانات، والمنشورات، واليافطات بشأن خيانته، ومصادقته لروسيا، قال كينيدي لزوجته جاكي صبيحة يوم اغتياله: «إننا نتوجه اليوم إلى مكان مجنون». وطبعاً، كما كان يدرك جيداً، المجانين لم يكونوا موجودين في دالاس فقط. لقد كانوا موجودين في كل مؤسسة الأمن القومي الأمريكية.

* كاتب أمريكي مؤسس ورئيس تحرير موقع «مؤسسة مستقبل الحرية» (www.fff.org )


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى