سد الألفيّة ومستقبل البهيّة
كمال بالهادي
تعثرت المفاوضات مجدداً بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة ثانية حول مشروع سد النهضة أو سد الألفية كما تسميه أديس أبابا. وتعثر المفاوضات يعود إلى جملة من الأسباب أهمها إصرار إثيوبيا على إنهاء بناء السد، وفرض سياسة الأمر الواقع على الدولتين العربيتين، واعتماد متاهة المفاوضات خياراً لإضاعة الوقت من جهة والاستمرار في بناء السد حتى إكماله من جهة ثانية.
مصادر مُفاوِضة مصريّة، أشارت إلى أن إثيوبيا لن تتراجع عن بناء السد تحت أي ظرف، مشيرة إلى أن اللجنة الثلاثية التي تم تشكيلها لم تنته إلى شيء، مع السير في ركاب الأجندة الإثيوبية وعقد اجتماعات بلا نتيجة في ظل استمرارها في بناء السد، مطالبة بالمواجهة الحقيقية معها والدفاع عن مصالح مصر الاستراتيجية. ذات المصادر تحدثت أيضاً عن أنه «ثَبُت أن الإطار التفاوضي بشأن بناء السد، لا يخدم المصالح المصرية، ويمثّل فرضاً للأجندة الإثيوبية على مصر، وإنهاءً لمسألة الدراسات الفنية». هذه الحقائق المستجدة، تدفع بالمسؤولين المصريين، إلى الحديث عن ضرورة تصعيد الملف إلى مستويات عليا تجبر أديس أبابا على احترام حقوق دول حوض النيل ودولتي المصب فيما يتعلق بحصصها من الموارد المائية. الواقع أنّ إثيوبيا استغلت عدة عوامل للمضي في بناء سد الألفية.
لا بد أن نشير إلى أن إثيوبيا تعتبر حسب البنك الدولي أقوى اقتصاد صاعد في إفريقيا وهي تحقق نسب نمو ضخمة جداً تصل إلى 10 في المئة سنوياً، بفضل مشروعات في البنية التحتية، وبفضل دعم اقتصادي وسياسي من عدة قوى دولية. فالمعروف أنّ إثيوبيا تحظى بدعم صيني قوي على المستوى الاقتصادي، إذ تعتبر اليوم إحدى محطات طريق الحرير الجديد، وهي إحدى البوابات التي تعتمدها الصين لتعزيز حضورها الاقتصادي في القارة السمراء.
أما على المستوى السياسي، فيحظى مشروع سد النهضة بدعم قوي من لوبيات النفوذ في العالم، فيكفي أن يكون المشروع يحظى بدعم فني من قبل إسرائيل ، حتى ندرك أنّ أبواب التمويل وأبواب مكاتب الاستشارات الهندسية الكبرى في العالم، ستكون مفتوحة، أمام الطلبات الإثيوبية. أما مواقف القوى الكبرى فلم تخرج عن خطابها المعتاد، والذي يدعو إلى الحوار وتغليب لغة الحوار، وهي تقنية اتصالية ساهمت في إضاعة الحقوق العربية في أكثر من مناسبة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أديس أبابا لم تكن لتقدم على مشروع يهدد الأمن الإقليمي، وأن تتجاهل التحفظات المصرية، لو لم تحصل على ضمانات، بأنّ أحداً لا يمكنه أن يكون عائقاً أمام مشروعها الذي يمكن اعتباره مشروعاً عدوانياً ضدّ مصر.
بالنسبة للمصريين، يعتبر النيل مسألة حياة أو موت، كما قال الرئيس عبد الفتاح السيسي. ولكن ما حدود مصر في تصعيد النزاع مع إثيوبيا؟ وهل القاهرة مستعدة لمعركة طويلة الأمد مع دولة غير حدودية؟ ومع من سيقف المجتمع الدولي فيما لو قامت هذه الحرب؟.
الخطاب الرسمي المصري يلحّ على حل المسألة عبر القنوات الدبلوماسية، ولكن القنوات الدبلوماسية لم تفلح في التوصل إلى أي نتائج تحفظ حق الحياة للشعب المصري، الذي عاش تاريخياً على مصادر مياه النيل. وإثيوبيا تلقي عرض الحائط بالحلول السلمية، وكأنها تريد أن تجر الجميع إلى حرب مدمرة، ولكن من هي الأطراف التي ستغامر بإشعال حريق في شرق إفريقيا؟ مصر قالت مؤخراً إنها ستتخذ كافة الإجراءات لضمان مصالحها. ولكن خطوة كهذه ليست أمراً هيّناً، بل هي آخر الحلول إذا ما استمرت إثيوبيا في العدوان على مصر البهيّة.
belhedi18@gmail.com