قضايا ودراسات

سردية الأخضر..

يوسف أبولوز

يرجع الباحث الفلسطيني ناصر سومي ظهور شجرة الزيتون التي يطلق عليها الفلسطينيون «شجرة النور». ويحلفون باسمها، إلى أواخر العصر الحجري القديم= من 35 ألف سنة إلى 12 ألف سنة، ويقول إن شجرة الزيتون تنتهي إلى فصيلة (العُتم).. «.. كالدردار، والطروان والليلك والياسمين..»، وفي محيط القدس جبل يسمى جبل الزيتون، ويربط سومي بين زيت الزيتون والكثير من المعتقدات الشعبية.
وهناك مثل فلسطيني يقول.. «الزيت عماد البيت»، ويذكر سومي الذي وضع كتاباً خاصاً حول الزيتون بعنوان «فلسطين وشجرة الزيتون= تاريخ من الشغف» إن الطفل ما إن يولد حتى يمسّد بزيت الزيتون، ويمسّد بحسب التقاليد القديمة بالزيت والملح، ثم بالزيت والحبق المفروم، ويعيد هذه التقاليد إلى الكنعانيين سكان فلسطين القدامى.
يفيض الشعر الفلسطيني بكنايات واستعارات تعود إلى الزيت والزيتون والزعتر، وشجرة الزيتون عند الفلسطينيين تحمل معنى من معاني القداسة وينظر إليها بوصفها تنطوي على أمومة، وهي رمز يشير إلى العطاء، ومن هنا ارتبطت شجرة الزيتون بالفلسطيني أكثر من أي شجرة أخرى؛ بل، ارتبطت بالفلسطيني أكثر من ارتباطها بأي شعب آخر، مع أن الزيتون يزرع في الكثير من بقاع العالم مثل تونس وإسبانيا.. لكن الزيتونة تحولت إلى ما يشبه الأيقونة واكتسبت في الذاكرة الفلسطينية بُعداً ثقافياً أيقونياً؛ ولأن الزيتون بكل هذه الخصوصية الاجتماعية والتاريخية والنفسية في فلسطين، فقد كان دائماً عرضة للتجريف ببلدوزرات السلطات «الإسرائيلية» ما يعكس عدائية تصل إلى درجة الكراهية لهذه الشجرة المقدسة الماثلة دائماً في وجدان الفلسطيني وهو إلى حيث يذهب وقد أقصي أو أبعد من بلاده يزرع دائماً شجر الزيتون حول بيته، وكأنه بذلك يحتفظ بسرّ بلاده، بل يعزز رمزية الشجرة في وجدانه وفي ثقافته الموصولة دائماً بتراثه، والزيتون مكون أصيل من مكونات هذا التراث.
نكتب عن شجرة الزيتون؛ لأنها صورة من صور مدينة القدس؛ بل صورة من صور فلسطين المطرزة بالأخضر دائماً بكل درجاته اللونية، ومرة ثانية لن تنجو هذه السردية الشجرية العشبية الخضراء من توحش «الإسرائيلي» وعقده النفسية، فما إن ينتهي من تجريف حقل زيتوني أمومي حتى يجرف أشجاراً أخرى، وأكثر توحشاً من ذلك عمدت جماعات «إسرائيلية» حاقدة إلى السطو على أسماء نباتات وأعشاب وزهور فلسطينية، وقامت بتحويل أسمائها من العربية إلى العبرية بافتعال غبي ومكشوف.
ليست القدس وحدها المحاصرة والمأسورة والممنوعة على أهلها وسكانها الأصليين؛ بل الأشجار محاصرة أيضاً، أما اللصوصية «الإسرائيلية» المريضة، فلم تقتصر على سرقة أسماء الزهور والنباتات والأشجار فقط؛ بل، سرقة الآثار الفلسطينية واختطافها بلغة عبرية مريضة هي الأخرى، أما التطريز الفلسطيني فقد سرق «عيني عينك» كما يقول شعب الزيت والزيتون والزعتر في وضح الليل، وفي وضح النهار.
يقول محمود درويش: «.. على هذه الأرض ما يستحق الحياة..».. وعليها أيضاً ما يستحق الصلاة.

y.abulouz@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى