قضايا ودراسات

سطوة التطور أمام التوقف

شيماء المرزوقي

الذي يقرر الجمود في عالم متحرك ستسبقه عجلة التطور، ومن يريد التوقف فإن قطار الحضارة سيمر به ويتجاوزه. وهذه الكلمات يمكن إسقاطها على الفرد والمجتمع. وما علينا إلا التمعن في آلية ما يحدث في عالم اليوم وفهم مسيرة البشرية وإلى أين تتجه، فمن غير المعقول أن نرى العالم يهرول نحو الأخذ بالتقنيات والتقدم وعالمنا العربي مستهلك لها لا أكثر.
ما نراه في عالم اليوم ثورة علمية خاصة في مجال الاتصالات، لم تحدث قبل مئة عام، بل هي وليدة بضعة عقود ماضية، وهذا يعني أن علاماتها وبداية تحركها ثم نموها ثم وهجها وأثرها ماثلة ويمكن ملاحظتها بسهولة.
شبكة الإنترنت لم تغير الأفراد وتمنحهم طرق حياة جديدة مختلفة عما ألفوه وعما سبق وعاشوه سابقاً وحسب، بل إنها غيرت أنماط الحياة برمتها من طرق وأساليب العمل إلى البنية الاقتصادية في العالم حيث ساهمت في نمو أعمال وازدهارها واستحداث مهام وأعمال جديدة غير مسبوقة، وفي اللحظة نفسها تسببت في انهيار شركات ومؤسسات عملاقة وكأنها تزيل أشكال الاقتصاد التقليدي وتستبدله بأشكال حديثة غير مألوفة أو غير معروفة سابقاً. شركات مثل «جوجل» و«مايكروسوفت» باتت لها الكلمة العليا، وشركات مثل «أبل» و«سامسونج» و«هواوي» وغيرها تشكل حياة الناس الذين يستخدمون هواتفهم الذكية، وشركات مثل «أمازون» التي تعمل في التسويق الإلكتروني، باتت هي المتنفس والخيار الأنسب لدفع المال والتبضع. وهذه الشركات قبل عقود لم تتجاوز أصابع اليد، لم تكن موجودة أو لم يكن لها ذكر.
في المقابل تلاشت أو كادت تتلاشى شركات كبرى عظيمة كان لها صولة وجولة على امتداد التاريخ البشري، مثل شركة «كوداك» العريقة التي تجاوز عمرها مئة وثلاثين عاماً.
الذي نستفيده من مثل هذه المراجعة أن التقدم البشري والتطور يفتحان مجالات جديدة غير مسبوقة، وفي اللحظة نفسها ينهيان ويوقفان عادات وممارسات وأعمالاً كانت سائدة، ولمواكبة التطور ولتجنب أن يتجاوزنا أو يغمرنا ويهزمنا، يجب أن نكون قادرين على مواكبته ومسايرته بل ومسابقته، وهذا لن يأتي ويتحقق إلا بنهضة علمية معرفية، وهذا ما نعيشه في بلادنا اليوم. لقد بات واضحاً من التجربة أن النظرة للمستقبل لا تتطلب تنظيراً وكلمات بل عمل وفعل وأمور كثيرة ملموسة على أرض الواقع.

Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com

زر الذهاب إلى الأعلى