قضايا ودراسات

سوء فهم مواجهة التحديات

عبد اللطيف الزبيدي

عجيب هذا الإرهاب، لديه منهجية إداريّة فائقة. له غرام خاص بمواقع النفط، يعرف كيف يسوّقه، بفضل العلاقات العامة الواسعة، فالزيت ليس شاورما ولا همبرجر، يحتاج إلى العارف بأسراره وأسعاره، بائعه وشاريه وحامله والمحمول إليه، بسلسلة من المعاملات والعمولات. لا تسل عن المستفيدين، فهمُ كثر، كما قال أبو فراس.
ما يذهلك هو تحليل المحللين. هم مصابيح الشعوب، سوى أنها لا تكون مطفأة إلاّ في الشدائد. لا تقل كيف خانهم ما توهمناه فيهم من ذكاء، فهم يعلمون ما هو الإرهاب وأهدافه والقوى المستفيدة من انتشار أوبئته، ولكنهم لا يريدون التهويل كالإفصاح بأن الإرهاب مجرد موظف براتب لدى لعبة دولية تستهدف الجميع، وعندما ينجز المهمة تُنهى خدماته، أو تختلق له وظيفة في أماكن أخرى، خيال مخططاتهم خصب، والخدم في انتظار الأوامر. تلك هي التنمية المعاكسة، الخراب لكل عامر، الانهيار لكل قائم.
الأغرب في طبيعة الإرهاب، هو علاقته الغرائبية بالثقافة والتاريخ. هنا يبدو العداء انتقائياً من الطراز الأول. مسألة مشكلة معضلة. الإرهابيون يعشقون التحف الأثرية على نحو براجماتيّ منفعيّ، ما خفّ وزنه وغلا ثمنه. تلك تجارة رابحة و«شغلة حرزانة»، أمّا المآثر التاريخية الضخام العظام، التي يصعب أو يستحيل نقلها، فتُدكّ دكّاً دكّاً. أنت لا تستطيع نقل معالم تَدْمُر، فتستعين بالجناس الكامل: «تُدمّر». لهؤلاء مرجعيات في أفغانستان، والعراق سابقاً ولاحقاً وآخرها حدباء الموصل. وادي الرافدين كله صار أحدب، وفي القاهرة (إحراق المركز العلمي)، وفي تونس (الهجوم على متحف باردو وإحراق الزوايا الصوفية). دستور واضح: ما لا يُنقل ولا يباع، يدمّر، لتمحى ذاكرة التاريخ. نحن أيضاً لدينا مليون مشكلة مع جناب التاريخ، ولكننا نقتصر على الرأي والقلم، وحتى الكتابة نشأنا على تطويقها بالحدود، وتكبيلها بالقيود. منصوص في تربيتنا وتعليمنا على أن التاريخ ملك الأبواب العالية والسماء. شكراً للعربية فمن لا يحترم الحدود تقام عليه الحدود.
المهزلة الكبرى التي لم يفهمها النظام العربيّ قبل فوات الأوان، هي أن قضية الإرهاب، برمّتها وتبعاتها، التي لا تزال كرتها الملتهبة متدحرجة، ستقيّد ضد مجهول يعرّفه الإعلام العالميّ الجبار باسم العرب والمسلمين والإسلام. هل تستطيع إقناع الرأي العام العالميّ الأعمى بأن خراب العالم العربيّ كله قائم على لعبة كذب جوبلزيّ مغرضة، وأكبر خدعة في التاريخ. سيقولون: وكيف انطلت الخديعة على العرب، أين عقولهم ووعيهم؟ أليس العرب هم أصحاب الأطنان من القرارات والتوصيات التي تدّعي مواجهة التحديات؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الفهمية: عبارة مواجهة التحديات لا «غباء» عليها، فالتحديات قائمة منذ عقود، والعرب يواجهون بعضهم بعضاً.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى