قضايا ودراسات

شجاعة أرملة ساراماغو

في حوار الصحفية «لويزا بوليدو» مع «بيلار ديل ريو» أرملة الروائي البرتغالي «خوسيه ساراماغو» ومترجمة أعماله السردية من البرتغالية إلى الإسبانية، وقبل وبعد ذلك هي حبه الأول والأخير كما جاء في الحوار، ترى السيدة «بيلار» أنه لا يوجد هناك مترجم كامل وليست هناك ترجمة كاملة، وتضيف لا يمكن لأي مترجم، في هذه الحالة، أن يشعر بالسعادة من عمله، وفي الحوار تشير إلى نقطة في منتهى الأهمية قائلة: قد تكون هناك تراجم هي أفضل من النصوص الأدبية الأصلية، وفي مكان آخر، وبعيداً عن موضوع الترجمة ترى أن صاحب نوبل «غابرييل غارسيا ماركيز» ليس المؤلف الوحيد الشهير في كولومبيا، «فهناك كثير منهم، ونحن نريد التأكيد على أن شهرة ماركيز لا ينبغي أن تحجب غيره من الكتاب»، وكم هذه السيدة موضوعية وحقيقية مع نفسها عندما تضيف أن «ساراماغو» أيضاً، رغم أنها زوجته، لا يجب أن يحجب غيره من الكتاب البرتغاليين وبعضهم يوازيه في الشهرة.
كون السيدة «بيلار ديل ريو» هي زوجة صانع المفاتيح الذي أخذ يكتب بشراهة بستاني برتغالي ليقطف هو الآخر نوبل في العام 1998.. لم يمنعها ذلك من موازاة «ساراماغو» مع بعض كتاب بلاده الذين قد يكون أحدهم يستحق نوبل وهذا الموقف ينطبق عليه وصفان: الصدق والشجاعة من جانب امرأة لا تختبئ وراء الكذب والدعاية، فهي لا تعرفهما أصلاً أو أن ثقافتها المبدئية تحول دون أي اختباء.. أما الصدق فهو في تصوري نابع من البيئة الثقافية العامة التي كان «ساراماغو» شريكاً في نشرها وتأصيلها ليس في البرتغال فقط، بل، وفي الغرب الأوروبي عموماً من خلال أعماله الروائية الإنسانية، أما الشجاعة فهي تتصل بطبع المرأة عموماً.. هذا الطبع الذي يجعل منها أحياناً، وبخاصة في الشرق العربي ظلاً تابعا للرجل، ولكن في حالة أرملة صاحب «الإنجيل يرويه المسيح» فالمرأة كائن إنساني مستقل له رأي وله موقف حتى لو كان هذا الموقف لا يروق للرجل الزوج، وهي أيضاً كائن إنساني له ظله الخاص، ولا يذوب في ظل الآخر، حتى لو كان زوجاً أوابناً أو أباً يرمز إلى السلطة والتملك والاستحواذ.
ما قالته أرملة «ساراماغو» حول زوجها وحول ماركيز لافت وجريء، لكن ما هو لافت أيضاً ويتطلب جرأة من المترجمين ليعلقوا عليه هو ما أوردته عن آليات الترجمة من داخلها، وهكذا، لا توجد ترجمات كاملة، كل الترجمات التي بين يدينا ناقصة، وما نتخيل أننا قرأناها في رواية أو في مجموعة شعرية هو بنسبة 100٪ هو في الواقع 70٪ إن لم يكن أقل.
مثيرة للقلق معلومة السيدة الأرملة حول الترجمة، فكل ثقافتنا التي اكتسبناها من اللغات الأخرى والمنقولة إلينا بالعربية هي ثقافة مهزوزة أو مبتورة أو مجزوءة.. سمها ما شئت.. فالأكثر إدهاشاً أو إقلاقاً من هذا.. أن هناك تراجم أفضل من النصوص الأصلية..
ماذا يعني ذلك؟.. يعني ببساطة أن المترجم يطرد المؤلف من النص.. ويحل محله.. وهذه كارثة أدبية وأخلاقية..
يوسف أبولوز
y.abulouz@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى