قضايا ودراسات

شجون تعليمية

خيري منصور
بعد الحرب العالمية الثانية، رفع الألمان شعاراً يختصر الدراما الألمانية كلها، وما انتهت إليه بعد الحقبة النازية، كان الشعار: أن من ينتصر ومن يهزم هو المعلم وليس القائد أو الجنرال؛ لأن القادة والجنرالات يتلقون علومهم منذ المرحلة الابتدائية على أيدي معلمين، ومنذ ذلك الوقت أصبح المعلم يتمتع بمكانة تليق به، ونحن العرب لسنا بحاجة إلى ترجمة مثل هذا الشعار؛ لأن لقب المعلم أطلق في تاريخنا على أهم الرواد من الفلاسفة، وما يروى عن الطريقة التي تعامل بها الأمين والمأمون مع المعلم قد لا نجد لها شبيهاً في كل الثقافات، فقد اقتسما ذات يوم حذاءه، وحمل كل منهما فردة منه!
وقد لا نجد شاعراً في كل لغات العالم قال ما قاله شاعرنا العربي عن المعلم، الذي كاد أن يكون رسولاً فاستحق الوقوف والتبجيل!
وكذلك القول المأثور، الذي يستحق أن يترجم إلى كل اللغات وهو «من علمني حرفاً كنت له عبداً»..
لكن ما يحدث الآن يبدو في بعض جوانبه النفسية والتربوية منقطعاً عن تلك الجذور والأدبيات؛ ولأن المعلم أحد الأقانيم الثلاثة في العملية التعليمية، إضافة إلى الطالب والمنهج، فإن أي تطوير أو تحديث للتعليم لا يبدأ من إعادة الاعتبار إلى المعلم يبقى ناقصاً.
وما يعقد من ندوات في مختلف العواصم العربية حول التعليم وإعادة النظر في المناهج التقليدية لن يكون فاعلاً إذا اقتصر على التوصيف، وسرد قوائم الإحصاءات.
إذ لابد من الشجاعة في التشخيص، ورصد مواقع الخلل لتطهير التعليم مما لحق به في فترات الانحطاط وفي الحقبة الاستعمارية من شوائب، وما علق به من تلفيقات هدفها تجريف الوعي والمصادرة على الإبداع والمبادرة!
وما ينشر موسمياً عن مواقع الجامعات العربية في قوائم جامعات العالم وأكاديمياته يصيبنا بالإحباط؛ لكن الرجاء يبقى قائماً إذا توفرت النية لترجمة التوصيفات والتوصيات النظرية إلى برامج عمل.
ولا نبالغ إذا قلنا إن التعليم يتصدر الآن شجوننا العربية رغم وفرتها؛ لأنه حجر الأساس في كل مشروع تنموي يتعلق بالإنسان، خصوصاً بعد أن تسارع تطوره إلى الحد الذي يفرض على المُناط بهم هذا الشجن مضاعفة الجهد وحرق المراحل.Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى