شروط طرح الأسئلة الصحيحة
د. علي محمد فخرو
لا شيء يجعل الناس يقبلون علاج قضايا حياتهم بالصدمة تلو الصدمة، ويتعايشون مع كل فكر وتفسير لا عقلاني، ويدخلون في صراعات مريرة ضد بعضهم بحجة اختلافاتهم الدينية والطائفية والعرقية. ولا شيء يجعلهم مهيئين لقبول كل ذلك أكثر من إدخالهم في حالة ذهنية مشوشة بسبب تلاحق الأحداث العبثية وغير المنطقية في حياتهم اليومية.
تشوُش الذهن الذي لم يعد صاحبه يفهم ما الذي يجري حوله، ولا يدرك تفسيرات منطقية تدله على الأسباب والمسببات، وهو ما يحدث في اللحظة الراهنة للإنسان العربي. تلاحق الأحداث المأساوية عبر الأرض العربية كلها والأوجاع العميقة التي تنتج عنها في النفس العربية تجعل لدى الإنسان العربي قابلية لقبول التفسيرات غير المنطقية والقصص التآمرية الخيالية التي تبثها الكثير من الجهات الرسمية والكثير من الجهات المدنية التابعة لها.
فجأة أصبح لدى الإنسان العربي المشوّش الذهن قبول كل ما يقال له عما يحدث في أقطار عربية من مثل ليبيا وسوريا والعراق واليمن ومصر ولبنان وفلسطين المحتلة، أو في مناطق من مثل المغرب العربي ووادي النيل.
والنتيجة هي تلك الانقسامات الحادة بين الناس، وحروبهم ضد بعضهم، وخوفهم من بعضهم، وانشغالهم بتخوين بعضهم بعضاً.
والرابحة في نهاية المطاف، والواقفة في زاوية تتفرج على كل ذلك وتقهقه، هي الجهات التي تقف وراء كل الأحداث، والتي تستفيد من صدمات كل تلك الأحداث، والتي يهمها أن تبقى النيران مشتعلة حتى تأكل الأخضر واليابس ويدخل العرب، كل العرب، في تيه الإفناء الذاتي المجنون.
من هنا الأهمية القصوى لأن تطرح كل الجهات، التي خدعت وسيقت كالنعاج، على نفسها هذا السؤال: مَنْ وماهي الجهات التي تستفيد إلى أبعد الحدود مما يحدث الآن في كل أرض العرب؟ هذا السؤال يحتاج لأن يسأله المسلمون السنة والشيعة والزيدية والإباضية وغيرهم، أن يسأله القوميون والإسلاميون، أن يسأله العلمانيون والمتدينون، أن يسأله رؤساء القبائل، أن تسأله الحركات النسائية، أن يسأله الحقوقيون بكل أشكالهم.
وهذا السؤال لن يكون في الصميم وموجهاً إلى الجهات الحقيقية المسؤولة عما يحدث والمستفيدة مما يحدث، إلا إذا اتفق الجميع على تهدئة الصراع فيما بينهم إلى حين معرفة جواب ذلك السؤال، وبشرط أن يتحدث الجميع عن صواب الإجابات المزيفة الكاذبة التي تقدمها يومياً وسائل إعلام الجهات المستفيدة حتى تبعد الشبهات عن نفسها، وتلقي باللوم على الجميع فيما عدا نفسها.
قائمة الجهات المستفيدة، حسب تنوُع الأحداث وتنوُع أمكنة حدوثها، لا يمكن أن تخرج عن الشركات العولمية التي لها مصالح للاستيلاء على ثروات العرب أو بيعهم السلاح أو مزاحمة شركات أخرى، أو عن جهات حكم لها طموحاتها المجنونة في الحاضر، وتحتاج لأن تحصل على المديح واستلام الأمور بيدها، أو عن المستفيد الأكبر والأعظم من مثل الكيان الصهيوني، أو عن صراعات النفوذ الدولي في هذه البقعة أو تلك، أو عن مؤامرات مؤسسات التجسس والاستخبارات الدولية أو المحلية الإقليمية.
لنلاحظ أن وسائل الإعلام التي تهيمن عليها الجهات المستفيدة لن تشير إلى أي من الجهات القائمة، وإذا أشارت إليها في الحالات النادرة فإنها ستقرنها بالمواضيع الطائفية أو الدينية أو القبلية أو العرقية أو المناطقية، وذلك من أجل تشويه أفكار الناس وإبعادهم عن معرفة المستفيدين الحقيقيين.
سياسة فرّق تسد لها ألف وجه ووجه، وألف أداة وأداة. وهي مجربة وناجحة إلا إذا ووجهت بطرح الأسئلة الصحيحة في أجواء مجتمعية لا تغلب عليها الصراعات العبثية فيما بين مكونات المجتمعات.
عند ذاك لن تكون الإجابة المجتمعية عن الأسئلة نظرية، وإنما ستنتقل إلى الواقع لتعالجه من خلال تلاحم وتعاضد مكونات المجتمع في وجه المستفيدين الحقيقيين من تباعد الناس بعضهم عن بعض.
المسؤولون في مؤسسات المجتمع المدني العربي مدعوون لإنهاء استغلال خلافاتهم الطبيعية لأجل مصالح الطائفيين الموتورين، أو شركات البترول الكبرى، أو المغامرين الانتهازيين من رجالات الحكم في بعض بلاد العرب، وذلك كله بإدارة الاستخبارات الدولية المعروفة.