قضايا ودراسات

شهرودي و«فتنة البيت الشيعي»

لم يكد آية الله محمود شهرودي يتولى منصبه الجديد كرئيس ل «مجمع تشخيص مصلحة النظام» في إيران خلفاً للراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، حتى وجد الرجل نفسه مطالباً من جانب الزعامة الإيرانية، ممثلة بالمرشد الأعلى علي خامنئي لحل طلاسم ما أخذ يُعرف ب «فتنة البيت الشيعي» التي امتدت من العراق إلى لبنان عبر سوريا، وباتت تهدد ليس فقط النجاحات العسكرية التي تحققت في سوريا لصالح تحالف «إيران – حزب الله – النظام السوري»، بل وزعامة إيران في العراق ونفوذها المتزعزع في سوريا.
كانت إيران تراقب، بحذر شديد، التطورات السلبية الكثيرة التي أخذت تطال نفوذها السياسي في العراق في الأشهر الأخيرة، ابتداءً من تمرد قيادات شيعية كبيرة محسوبة، بدرجة أو بأخرى، على طهران ابتداءً من حيدر العبادي رئيس الحكومة ومقتدى الصدر زعيم التيار الصدري وعمار الحكيم رئيس التحالف الوطني الذي يضم القوى الشيعية الأساسية المشاركة في حكم العراق، وامتداداً إلى النتائج السياسية المحتملة للانتصارات ضد تنظيم «داعش» الإرهابي التي تصب في اتجاه دعم مسار إجراء تحوّلات سياسية عميقة ضمن مشروع وطني يكون قادراً على استيعاب القوى السُنيّة، تحسباً لمطالب «تصفية حسابات» بعد تحرير المحافظات من «الدواعش»، وهي تحوّلات تقود نحو حتمية التخلص من نظام الحكم الطائفي الذي كرّس تهميشاً للسُنّة وفرض شمولية «شيعية»، كانت من أهم أسباب نجاحات «داعش» في التوسع في مساحات واسعة بالمحافظات السُنيّة بالعراق. مثل هذه المطالب والتحوّلات إن حدثت فإنها ستكون حتماً ضد النفوذ الإيراني.
وزاد من قلق إيران إصرار قيادة إقليم كردستان العراق على إجراء استفتاء «حق تقرير المصير»، تمهيداً للانفصال عن العراق يوم 25 سبتمبر/ أيلول الجاري، الأمر الذي قد يمثل حافزاً قوياً لأكراد إيران، في حال نجاحه، لإعلان مطالب مشابهة، الأمر الذي تعتبره طهران تهديداً شديد الخطورة لوحدتها الوطنية واستقرارها.
لذلك حاولت إيران على مدى الأشهر الثلاثة الماضية احتواء ما اعتبرته تمرداً على نفوذها في العراق من جانب حلفائها التقليديين من زعماء الشيعة، خاصة عقب زيارة حيدر العبادي رئيس الحكومة العراقية للسعودية (19/6/2017) وبعدها زيارة مقتدى الصدر للمملكة (23/7/2017)، ثم زيارته للإمارات (14/8/2017)، إضافة إلى تصدّع حزب المجلس الإسلامي الأعلى الذي يعد أحد أهم أذرع النفوذ الإيراني في العراق باستقالة زعيمه عمار الحكيم وتأسيسه لحزب جديد من جيل الشباب، بمشروع سياسي يصطدم مباشرة بالمشروع الإيراني، يدعو إلى تأسيس منظومة علاقات متينة ورصينة مع محيط العراق العربي والإسلامي، وفق مصلحة العراق أولاً والمصالح المشتركة مع هذه الدول، ويلتقي بذلك مع الشعار الذي كان مقتدى الصدر قد رفعه قبل أشهر وعنوانه «العراق أولاً».
كانت إيران تعتقد أن بمقدورها، وعبر أدواتها التقليدية، احتواء هذه التحولات المهمة، كما أنها أعطت كل تركيزها على التنسيق مع تركيا لوأد التمرّد الكردستاني من خلال الزيارة المهمة التي قام بها رئيس الأركان الإيراني محمد حسين باقري لتركيا، التقى خلالها بكبار المسؤولين الأتراك، وخاصة الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره التركي الجنرال خلوصي أكار، للبحث في ملفات شديدة الأهمية، كان على رأسها الاستفتاء الذي يرجح إجراؤه في كردستان العراق، لكنها فوجئت بأن التمرد على زعامتها في العراق من جانب قيادات شيعية بارزة، أخذ يتحوّل إلى ما يمكن اعتباره «فتنة في البيت الشيعي».
بدأ التمرد على لسان حيدر العبادي رئيس الحكومة العراقية بإعلان انتقاده ل «حزب الله» بسبب خطيئة نقل مسلحي «داعش» من الجرود اللبنانية، واعتبر أن «صفقة الترحيل» تهدد العراق، وامتد التمرد بعد ذلك ليضم معظم القوى العراقية المدنية، إضافة إلى نشطاء موالين للسيد مقتدى الصدر والسيد «عمار الحكيم»، في حين اتخذ نوري المالكي موقفاً داعماً ل «حزب الله» ولإيران، باعتبار أن خطوة ترحيل «حزب الله» ل «الدواعش» ما كانت يمكن أن تتم دون ضوء أخضر إيراني، وهذا ما أدى إلى الدفع بكل من محمود شهرودي يرافقه الأمين العام للمجلس، الجنرال محسن رضائي، بالتوجه إلى بغداد في محاولة لنزع فتيل هذه الفتنة، وتجديد الحوار مع الزعماء الشيعة في العراق، مستثمراً رصيده الإيجابي لدى هؤلاء الزعماء، لكنه صدم بأن هؤلاء القادة الذين استمعوا إلى نصائحه لم يعودوا مستعدين لتقبل الأوامر، بل إن لهم رؤيتهم الجديدة للعراق وللعلاقة مع طهران، ويطالبون بتخفيف الضغوط الإيرانية على الحكومة العراقية، كما يطالبون طهران بأن تنظر إلى الانفتاح الجديد في العلاقات العراقية- الخليجية باعتبارها «خياراً استراتيجياً غير موجّه ضدها»، ما يعني أن الأزمة التي أخذت تهدد «البيت الشيعي» لم تعد تصلح معها الوساطات والنصائح حتى لو كانت من شخص بوزن شهرودي، وأنها باتت أصعب من أن تحتويها تبريرات حسن نصر الله وتأكيداته للعراقيين بأن «معركتنا واحدة ومصيرنا واحد وأن أخوتنا لن يزعزعها أي شيء على الإطلاق»، فالحقيقة باتت واضحة وجليِّة وهي أن «البيت الشيعي» في أزمة، وأن إيران عاجزة عن حلّها، وهذا هو التحدي الكبير الذي يواجهها الآن.
د. محمد السعيد إدريس
msiidries@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى