قضايا ودراسات

شيء من السيرة القطرية

د. عمرعبدالعزيز
المحرك الأساسي للسياسة القطرية الراهنة يستدعي معرفة الحالة الراهنة في السياسة القطرية، ما يفرض استرجاعاً سريعاً لكامل التطورات التي بدأت مع تسعينيات القرن المنصرم وعلى النحو التالي:
بعد انقلاب الشيخ حمد على والده الشيخ خليفة تم تبني مشروع «قناة الجزيرة»، الذي استأنس بموديل إذاعة «أوروبا الحرة» التي كانت موجهة حصراً ضد المعسكر الاشتراكي أيام الاتحاد السوفييتي. هذه المرة كان الانتقال مباشرة نحو الأداء الفضائي الشامل، ورافعته الكبرى التلفزيون، وهدفه المباشر خلخلة الأنظمة العربية، بتهييج الشارع ضدها تحت شعار: هنا «منبر من لا منبر له»، والمعنى يتلخَّص في تعميم الأصوات الناعقة، والمزاج الشعبوي المتداعي مع الأحداث.
ومنذ البدايات الأولى للقناة كان واضحاً أن قواعد المعايير التقنية، ومنهج الخطاب الإعلامي يتمثَّل في خليط مدروس من مناهج إذاعات أوروبا الحرة، ومعايير «بي بي سي» التقنية، ومنهج «سي إن إن» في الأخبار.
يومها كادت الريغانية السياسية الأمريكية أن تستعيد مفرداتها الأولى، وكان عين الجمهوريين الجُدد في الولايات المتحدة على الشرق الأوسط الكبير.. الأمر الذي تم تسطيره في برنامجهم الانتخابي على عهد بوش الابن، والذي نص على أن الشرق الأوسط الكبير يعتبر فناءً خلفياً للولايات المتحدة، وأن الخطر الذي يتهدد الولايات المتحدة يمتد أينما امتدت يدها!.
الترجمة المباشرة للريغانية الجديدة تمثَّلت في سياسة «الفوضى الخلاقة»، والمبادأة الاستراتيجية، وكان لا بد من البحث عن منصة انطلاق عربية شرق أوسطية تكون الرافد للاختراق الناعم، وقد بدت قطر مناسبة جداً للأسباب التالية:
– كونها الحاضن لأكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط،
ولأنها تمتلك مقدرات مالية ريعية فائضة.
– كونها دولة عربية وعضواً في مجلس التعاون لدول الخليج العربي.
– تقبل باحتضان خطاب شبكة قنوات الجزيرة العابرة للمحلي والقومي.
بالتناسب مع هذا الاختيار بدا الإسلام السياسي الخيار المثالي لتعميم نظرية الفوضى الخلاقة، وكانت جماعة الإخوان المسلمين في القلب من منظومة الإسلام السياسية استناداً إلى ما يلي: الخبرة التنظيمية الممتدة، والتماسك الأيديولوجي، والبراغماتية السياسية، والخبرة العملية في بلدان العمق الديمغرافي ومثاليهما مصر واليمن.
تقاطعت أهواء الحاكم القطري في الزعامة العربية الإسلامية، مع طموح الإخوان في الحلول محل الأنظمة العربية، وخاصة تلك المترنِّحة ممن نعتهم الجمهوريون الريغانيون بالأصدقاء المُستبدين.
أثناء الموجة الجماهيرية التي اجتاحت دولاً عربية، وسميت «غربياً» ب «الربيع العربي» أُسوة بربيع براغ، استندت قناة الجزيرة على 4 محاور أساسية في مخاطبة الجمهور العربي، وهي التالي:
التهييج: من خلال اختيار أكثر الأنباء إثارة.
الوجدان: من خلال الخطاب الشعبوي المقرون بالأصوات العالية الدوغمائية.
الحنين: من خلال استدعاء نموذج الماضي البعيد كبديل لاستحقاقات العصر ورهاناته.
المُخاتلة: من خلال تسييد الخطاب الناعق وغير العقلاني.
بهذا المعنى كانت الجزيرة وفيَّة لرسالة الفوضى الخلاقة، وكان فرس الرهان القابل لملء الفراغ القادم مختصراً في سدنة الخطاب الديني السياسي، وفي المقدمة منهم جماعة الإخوان المسلمين، وللأسباب التي أشرنا إليها من قبل.
كامل المقدمات السابقة توضح لنا ماهية الدور القطري المُتَّصل بتركيبة النظام وخياراته، ومن المهم هنا الإشارة إلى أن هذا الدور ظل واضح التصلُّب في استمراريته، وكانت الحالة المصرية شاهداً كبيراً على إصرار قطر وخياراتها الإعلامية في مناجزة النظام المصري، واستمرارية الرهان على الوجدان الشعبي الكبير في مصر.
في مثل هذه الحالة تفارقت المرئيات وممارسات النظام القطري مع منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربي، ومن شواهد عدم التناغم ما يلي:
– تبنى مرئيات خاصة إزاء الاستحقاقات المداهمة «مثالها المشكلة اليمنية».
-استمرار النبش الإعلامي الذي يواصل تفخيخ الأوضاع الداخلية في الدول العربية.
-التبنِّي الأيديولوجي لخطاب الإسلام السياسي في العالم العربي.
التحرك المريب في أكثر ملفات المنطقة سخونة، ودونما تنسيق مع الحلفاء العرب الافتراضيين.
لهذه الأسباب مجتمعة والتي أوردتها هنا بقدر كبير من الاختصار والاختزال، يمكننا معرفة ماهية المحرك الأساسي للسياسة القطرية الراهنة.

omaraziz105@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى