قضايا ودراسات

صراع مصالح لا طوائف

د. حسن مدن
كل الحروب التي ألبست رداء مذهبياً أو طائفياً، أو سميت بالحروب الدينية، هي في كل مكان وعبر التاريخ كله، لم تكن في جوهرها كذلك. كل الحروب والنزاعات هي على المصالح ومن أجل الظفر بالسلطة أو تأبيدها بيد من هي في يده.
يجري استعارة الخطاب الديني وتوظيفه للتمويه على جوهر تلك الحروب والنزاعات من أجل حشد الدهماء من الناس خلف هذا الفريق أو ذاك، وتوفير الوقود البشري اللازم لشن الحروب واستمرارها.
فكيف ستنشأ مثل هذه الحروب وتستمر إن لم ينخرط فيها مقاتلون على ضفتيها، وليس أسهل من إثارة الغرائز المذهبية في دواخل البشر كي تتلبسهم فكرة «عدالة» الحرب التي يساقون إليها، حين يُصور لهم الانخراط فيها تلبية لواجب رباني، وحفاظاً على هوية دينية أو مذهبية يجري إيهامهم بأنها مستهدفة، فيما للصراع غايات دنيوية صرف لا علاقة لها بكل ذلك.
ولنا في ما جرى ويجري حولنا من حروب مدمرة الأمثلة والعظة.
لم تكن الحرب الأهلية في لبنان، مثلاً، حرباً بين المسيحيين والمسلمين، رغم أنه جرى تسويقها على أنها كذلك، حين جنحت النخبة الانعزالية في اليمين المسيحي إلى تصوير الأمر على أنه استهداف للموارنة والمسيحيين من قبل المسلمين وحلفائهم الفلسطينيين، فيما كان تفجير الحرب رداً على تنامي المطالبة بإصلاح النظام السياسي الطائفي بقيادة رجال وطنيين كبار من وزن الراحل كمال جنبلاط.
وليس ما يشهده العراق منذ الاحتلال الأمريكي حرباً بين السنة والشيعة، وإنما هو في جوهره صراع بين أمراء الطوائف والنخب السياسية الفاسدة، سواء تلك التي جاءت على دبابات المحتل أو تلك التي كانت مستفيدة من النظام الديكتاتوري السابق أو بقاياه، التي لم تجد غضاضة في ارتداء العباءات الداعشية، وحرف الصراع إلى مواجهة مفتعلة بين سنة وشيعة.
وليس الصراع في سوريا صراعاً بين السنة والعلويين، والأمر يصح على بلدان ومناطق أخرى تشهد صراعات طاحنة، فكل تلك صراعات دوافعها وغاياتها سياسية، وخلف السياسة دائماً تقف المصالح الاقتصادية والامتيازات، ولم يكن لينين مخطئاً حين وصف السياسة بأنها اقتصاد مكثف.
من أجل تحويل الصراعات السياسية إلى مواجهات بين الطوائف والمذاهب يتم الدفع بالقوى المذهبية صاحبة هذا النوع من البرامج كي تتصدر الساحة، وفي حالنا العربية تؤدي قوى الإسلام السياسي هذه المهمة بكفاءة، وهو أمر تناولناه غير مرة.
لقد رأينا كيف راهن الغرب على الإخوان المسلمين، مثلاً، منذ بدايات «الربيع العربي»، ووظّف في ذلك، لصالحهم، أموالاً عربية ومنصات إعلامية لحرف مسار الثورات من مواجهة الاستبداد وبناء الديمقراطية وإشاعة العدالة، لتصبح صراعات دموية بين المذاهب والطوائف والأعراق.

dr.h.madan@hotmail.com

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى