طرود «مفخّخة» للمعارضين
يونس السيد
خلال أيام قليلة، تحولت الولايات المتحدة إلى دولة عالمثالثية تعيش تحت وطأة الرعب والخوف الناجم عن سلسلة من الطرود المفخّخة اجتاحت عدداً من الولايات الأمريكية واستهدفت معارضين للرئيس دونالد ترامب بينهم شخصيات سياسية وفنية ووسائل إعلام، ولكن كيف حدث ذلك ولماذا؟
من اللافت أن تأتي هذه الموجة من الطرود المشبوهة والمفخّخة عشية انتخابات التجديد النصفي لمجلسي الكونجرس، بعد أيام، لكن الأكثر أهمية أنها جاءت لتكشف عن حالة الانقسام والاستقطاب الحاد داخل المجتمع الأمريكي وبين النخب السياسية. والأسوأ أنها، جاءت لتشكل نتاجا لما يعتبره البعض «خطاب التحريض والكراهية» الذي يتعمق في الداخل الأمريكي بفعل سياسات ترامب، الداخلية والخارجية، والتي بلغت حد اللامعقول وفقا لوسائل الإعلام وسياسيين أمريكيين. ربما يخفف من الأمر، أن الطرود ال 13 حتى الآن، كلها مرسلة من عنوان واحد، وقد يساعد القبض على المشتبه به الرئيس، وهو جمهوري متعصب من مؤيدي ترامب، على الكشف عن ملابسات إرسال هذه الطرود وأهدافها .
لكن مسارعة ترامب بتحميل المسؤولية لوسائل الإعلام عما سماه «إثارة الغضب» في المجتمع الأمريكي عبر تقاريرها وأخبارها الكاذبة، فتح السجال السياسي بقوة حول العنف السياسي، حيث اتهم رئيسا الكتلتين الديموقراطيتين في مجلسَي الكونجرس ترامب، بغض النظر عن العنف وبث الفرقة بين الأمريكيين بأقواله وأفعاله. وتحدثت شخصيات سياسية عديدة عن أن «الاستقطاب» في الحياة السياسية الأمريكية منذ انتخاب ترامب ذهب أبعد من اللازم، وقالت المرشحة الرئاسية السابقة عن الديمقراطيين هيلاري كلينتون، وهي واحدة من المستهدفين بالطرود المفخّخة، إلى جانب الرئيس السابق باراك أوباما ونائبه جو بايدن ونوّاب ديموقراطيين والممثل روبرت دي نيرو المعروف بانتقاداته اللاذعة لترامب وشبكة «سي إن إن».. وغيرهم، «إنها مرحلة من الانقسامات العميقة، وعلينا أن نفعل ما بوسعنا لنتّحد». أما رئيس بلدية نيويورك الديموقراطي، فقد رأى أن البلاد تمرّ «بفترة يشعر فيها الناس بوجود كراهية كبيرة في الجو»، ما دفع ترامب لتوجيه نداء من أجل «الوحدة»، لكن هذا النداء لن يلقى صدى، بحسب مسؤولين أمريكيين، ما لم يتراجع ترامب عن تصريحاته التي تتغاضى عن أعمال العنف وتصف «الصحافة الحرة بأنها عدوة الشعب».
في كل الأحوال، المسؤولية هنا لا تتحدد في القبض على المنفذ المباشر لهذه الموجة من الطرود، ذلك أن أعراض الخطاب السياسي المغرق في الشعبوية والفوضى أصبح يتسيّد الساحة الأمريكية، وبالتالي فإن الأمر يتوقف في النهاية على وضع حد لمثل هذا الخطاب حتى يتسنى إعادة اللحمة للأمريكيين.
ووسط هذا السجال، يتساءل المراقبون عما إذا كان مسلسل الطرود قد جاء في هذا التوقيت بالذات، وقبل أيام من الانتخابات النصفية، سيقدم خدمة كبيرة للديمقراطيين بانتزاع السيطرة على أحد مجلسي الكونجرس أو ربما المجلسين معا، ما قد يؤدي إلى تغيير المشهد السياسي الأمريكي.
younis898@yahoo.com