ظفر القضيّة يحكّ جلدها
عبداللطيف الزبيدي
لماذا صارت أمور المنظمات والجبهات والفصائل الفلسطينية مطروحة على الساحة أكثر من شؤون القضية نفسها؟ يبدو أن تلك الفئات، بلا استثناء، انطلت عليها حيل التمييع وإضاعة الوقت. نحن لا نشكّك في ذكائهم ويقظتهم، وإنما نشكّ في سلامة مداركنا، نحن الذين ابتلينا بمتابعة فصول الفاجعة التي راح ضحيتها الآلاف من أبناء فلسطين وبناتها، الذين يقول فيهم الطغرائي: «وحسن ظنك بالأيام معجزةٌ.. فظُنّ شرّاً وكن منها على عجلِ».
موضوعيّاً، لا يُعقل أن تصل القضية المركزية سابقاً، إلى المشاهد الكاريكاتورية الحالية، من دون برمجة وتخطيط. لا يمكن القول إن القيادات الفلسطينية هي التي جعلت قضية إنسانية عادلة تنتهي إلى حال نطيحة متردية. مثل هذا التصوّر غير عاقل، لسبب بسيط وهو أن المسؤولين الفلسطينيين يفتقرون إلى الدهاء الاستراتيجيّ والخوارزميات المعقدة الخارقة، على مدى سبعين سنة تطبيقيّاً، وقرن نظرياً منذ «وعد بلفور»، تلك المخططات التي نهشت خريطة التقسيم فتناقصت حتى عادت كالعرجون القديم. قيادات التشكيلات والتنظيمات براء من ذلك النبوغ. أين العبقريّة الألمعية حين لا يستطيع فلسطينيان الجلوس معاً للتساؤل: كيف يجرؤ كبيرهم الذي علّمهم سحر التفاوض، على القول بعد عقود من الأسطوانات المشروخة المتعثرة: فشلنا في المفاوضات؟ «فشلنا» تحتاج إلى تدقيق لغوي يا أستاذ؛ لأن ضمير الجمع هنا يعني الطرف الفلسطينيّ وحده، أمّا ناهش الأرض فقد برهن على نجاحه وتفوقه على كل العرب مجتمعين. هو لم يرَ إخفاقاً إلاّ أخلاقياً وإنسانياً.
الغريب المنكر هو التطابق الكامل الذي لا يمكن أن يحدث من تلقاء نفسه، بين صورة جغرافيا الأرض المتبقية من فلسطين للفلسطينيين، وبين صورة الفئات التنظيمية الفلسطينية، من كل لفيف مقرون أو مفروق: كلا المشهدين أرخبيل جزر مفصول بعضه عن بعض، كأنما الأرض ألقت ما فيها وتخلّت، فلا عين من التراجع كلّت، ولا بارقة أمل تجلّت.
لزوم ما يلزم: النتيجة التفاؤلية: على الفلسطينيين أن يغسلوا أيديهم من الغوث العربيّ، فعسى أن يتدبّروا أمرهم.
abuzzabaed@gmail.com