عبدالرحمن سوار الذهب
د. حسن مدن
أخبرني الصديق الشاعر علي عبدالله خليفة قبل سنوات أنه كان رفقة والدته المريضة في انتظار الدخول على الطبيب في مستشفى بالأردن، وكان معهما، في الانتظار، رجل بدا من هيئته أنه سوداني الجنسية، وحين حان دور هذا الرجل للدخول إلى الطبيب أتت الممرضة تدعوه باسمه: عبدالرحمن سوار الذهب. ما إن سمع صديقنا اسم الرجل، حتى هبّ واقفاً محيياً له: هل أنت نفسك من كان رئيساً للسودان وتنحيت عن موقعك؟ فأجابه الرجل بتواضع: نعم أنا هو.
أسوق هذه الحكاية في معرض الحديث عن رجل زهد السلطة، مع أنها كانت في متناول يده، المشير عبدالرحمن سوار الذهب الذي توفي مؤخراً عن ثلاثة وثمانين عاماً، وكان يمكن أن يبقى مجهولاً خارج دائرة عمله، فسيرته المهنية والشخصية كخريج في الكلية الحربية في الخرطوم، تدرّج في الرتب العسكرية مشابهة لسيرة أي ضابط عسكري سوداني آخر.
بعد عام من تخرجه في الكلية الحربية نال السودان استقلاله، تلقى علوماً عسكرية عُليا في بريطانيا والولايات المتحدة ومصر والأردن، ثم تدرج في الرتب العسكرية إلى أن وصل إلى رتبة فريق، وعرف بانضباطه وولائه لقادته، فضلاً عن مواقفه المحافظة حتى أنه رفض تسليم حامية مدينة الأبيض العسكرية عندما كان قائداً لها عام 1971 عند انقلاب الرائد هاشم العطا ورفاقه على سلطة جعفر النميري، حتى تمكن هذا الأخير من استعادة مقاليد الحكم بعد أيام قليلة.
ورغم ما أظهره من ولاء للنميري، إلا أن علاقة هذا الأخير معه لم تخل من تقلبات درامية، حيث أبعده لفترة طويلة إلى قطر ليعمل مستشاراً عسكرياً هناك، قبل أن يعيد النظر في موقفه منه، ويوليه منصب رئيس الأركان ووزير الدفاع.
حدث فارق في حياة السودان وسوار الذهب شخصياً كسر نمطية حياته كعسكري، حين اختير رئيساً للسودان لفترة انتقالية بتوافق مع قادة الأحزاب والقوى السياسية السودانية إثر الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بحكم النميري، فسلك سلوكاً غير معتاد في البلدان العربية، لا بل البلدان النامية عادة، حين وفّى بالتزامه وسلّم السلطة للحكومة المنتخبة برئاسة الصادق المهدي بعد مرور عام، واضعاً بذلك سابقة في تاريخ الجمهوريات العربية لم تتكرر من بعده.
لم يعد سوار الذهب للجيش حين سلّم السلطة، واعتزل العمل السياسي، ليترأس منظمة الدعوة الإسلامية التي اتخذت من السودان مقراً لها، حتى وافته المنية، ليوارى جثمانه في المدينة المنورة تنفيذاً لوصيته.
madanbahrain@gmail.com