قضايا ودراسات

عبقرية المكان

خيري منصور

استخدم هذا المصطلح أدباء واستراتيجيون ومتخصصون في الجغرافيا السياسية، وكان لكل منهم مقاربته الخاصة الخاضعة للزاوية التي رأى منها المكان.
«ميشيل بوتور» الفرنسي وظف هذا المصطلح لمصلحة الرواية التي أصبح المكان فيها يلعب دور البطولة وأحياناً يحل مكان الزمان!
والعالم الراحل د. جمال حمدان صاحب كتاب «شخصية مصر» كان يرى أن موقع مصر الجغرافي بحد ذاته عبقري، وأن قدرها عربي بامتياز، فهل بالفعل هناك أمكنة فاعلة مقابل أخرى خاملة؟ أم أن المكان ليس محايداً، وللتاريخ دور في جعله عبقرياً أو هامشياً؟
إن أول ما يخطر ببالنا ونحن نقرأ أوصافاً للمكان أنّ كلمة التمكين بمعنى التكريس والتثبيت مشتقة من المكان، فهو الركيزة والأساس والقاعدة أيضاً!
وهناك مؤرخون أعادوا معظم التحديات التي تعرّض لها الوطن العربي على امتداد تاريخه إلى أهمية موقعه سواء كان ذلك من خلال حملات عسكرية قبل أكثر من ألف عام، أو من خلال التمدد الكولنيالي وفترة الاستعمار.
إن عبقرية المكان هي توأم عبقرية أخرى لا يمكن إغفالها أو تخطيها وهي عبقرية التاريخ. فالمكان بمفرده وبغير هوية تاريخية يبقى مجرد مساحة يتعاقب عليها الطامعون.
وما أضاف إلى عبقرية الجغرافيا العربية بُعداً جديداً ومعاصراً هو الثروات التي هجعت زمناً طويلاً في باطن الأرض قبل أن ترى النور.
فهل كانت هذه العبقرية نعمة أم نقمة أم كانت الاثنتين معاً؟
قد يكون ما كتبه مؤرخون غربيون في مقدمتهم البريطاني أرنولد توينبي مدخلاً لقراءة هذه الجغرافيا بكل ما استوطنها من العقائد والحضارات والثقافات، وبالفعل هناك من أنصفوها واعترفوا بظلالها الرسولية المقدسة وقالوا إنها دفعت ثمن امتيازها واستثنائيتها.
إن عبقرية المكان تشترط كي تكون نعمة وليس نقمة، وعياً وسهراً ودفاعاً بلا نهاية!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى