قضايا ودراسات

عن صفقة تبادل الأسرى

عوني صادق

مع إعلان ما سمي «وثيقة حماس الجديدة»، وتحولها إلى موضوع يومي للجدل في الأوساط الفلسطينية، بدأ الحديث بصوت خافت عن «صفقة جديدة لتبادل الأسرى» بين حركة حماس والحكومة «الإسرائيلية». وبعد «التقارب» الذي حدث بين الحركة والقيادي الفتحاوي محمد دحلان واللقاء الذي تم بين الطرفين في القاهرة، ارتفع الصوت وزادت التسريبات حول الصفقة. وفي الأيام القليلة الماضية امتلأت الصحف «الإسرائيلية» بالتعليقات حولها وبتصريحات من الجانبين الحمساوي و«الإسرائيلي» الحكومي، وقيل «إن تقدماً تم إحرازه» بخصوصها. ومع أن موضوع الأسرى الفلسطينيين في السجون «الإسرائيلية» له، ويفترض أن يكون له، أولوية كبرى لما له من تأثير على حياة عائلات فلسطينية كاملة، ولأسباب سياسية أيضاً، وتمت في إطاره أكثر من صفقة تبادل كان آخرها صفقة «وفاء الأحرار»، إلا أن الصفقة الحالية تأتي في ظروف إذا ما تمت، وبضمانات موثوقة هذه المرة، فإنها ستمثل إنجازاً كبيراً لحركة (حماس) ورافعة من روافع تخفيض الضغوط التي تتعرض لها الحركة.
التسريبات والتصريحات من جانبي الصفقة، تفيد، حتى الآن، بأن المفاوضات جارية بالفعل، لكنها في مراحلها الأولى، وهي تفيد أيضاً بأنها ستتم على مرحلتين: الأولى، تنطوي على معلومات تقدمها (حماس) عن الجنود والمفقودين «الإسرائيليين» مقابل إطلاق سراح (54) محرراً في صفقة «وفاء الأحرار» أعيد اعتقالهم بعد عملية فدائية. والمرحلة الثانية تبدأ بعد ذلك وهي الأصعب والتي ستأخذ وقتاً أطول. في كل الأحوال يدور الحديث عن وساطة أطرافها مصر وروسيا والأمم المتحدة، وتتعلق بمئات من الأسرى بينهم مروان البرغوثي وأحمد سعدات. ومن نافل القول إن نجاح الصفقة يمكن أن يغير «المناخ السيئ» الذي يسود فضاء حركة (حماس) وحتى إشعار آخر.
على الصعيد الحكومي «الإسرائيلي»، أبدى العديد من الوزراء بعد جلسة الحكومة يوم الأحد الماضي، معارضتهم للصفقة. ونقلت وسائل الإعلام «الإسرائيلية» تصريحات لعدد منهم يرفض ما قيل عن مطلب حركة (حماس) إطلاق (54) محرراً أعيد اعتقالهم، وهو رفض يتفق مع النفي «الإسرائيلي» لما تسرب عن تحقيق «تقدم جوهري» في المفاوضات الجارية وقرب الانتهاء من المرحلة الأولى من الصفقة. وفي الوقت الذي لاذ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالصمت، قال وزير التعاون الإقليمي تساحي هنغبي قبل جلسة الحكومة: إن «الحديث يدور عن معلومات صادرة عن الجانب الفلسطيني وهي لا تعكس الواقع». أما وزير التعليم، نفتالي بينيت (البيت اليهودي)، فقال: «يجب عدم الإفراج عن الأسرى مقابل استعادة جثث الجنود والمواطنين «الإسرائيليين» المحتجزين لدى حماس»! من جانبه، نفى وزير الأمن أفيغدور ليبرمان حدوث اختراق في «المساعي» الجارية. وقال في حديث لإذاعة الجيش «الإسرائيلي»: إنه «لا توجد اتصالات مع حركة حماس بهذا الخصوص»!
بطبيعة الحال، لا يمكن أن تأتي كل تلك الأخبار والتسريبات، وكذلك التعليقات على الصفقة في الصحف «الإسرائيلية» من فراغ. وكما كتب المراسل العسكري في صحيفة (معاريف- 9/7/2017) يوسي ميلمان «لا دخان بدون نار»، وأن المفاوضات بشأنها جارية، وأن مسؤولية التوجه إليها هي مسؤولية رئيس الوزراء ووزير الأمن والوزارة بكاملهم!
على أية حال، وفي انتظار ما ستسفر عنه الاتصالات والمفاوضات الجارية، فإنه يبدو أن الصفقة لا تتوقف عند «تبادل الأسرى» بل تشمل جملة من الأمور الأخرى. وإذا كان موضوع الأسرى له أولوية، كما سبق القول، فإن الوضع السياسي الذي تواجهه حركة (حماس) في غزة وفي الضفة له أهمية خاصة. ولعل السؤال الذي لا يستطيع المراقب أن يتجاهله وسط الحديث عن الصفقة يتعلق في الدرجة الأولى بمسألة التوقيت، وهو: لماذا تركز (حماس) الآن على تنفيذ الصفقة؟! وهل ستساعد الحكومة «الإسرائيلية» حركة (حماس) في تنفيذها في الوقت الذي تعرف ما يعنيه تنفيذها بالنسبة للحركة؟!
منذ تم انتخاب يحي السنوار قائداً لكتائب القسام، والتهديدات «الإسرائيلية» والتبشير بحرب رابعة على غزة هذا الصيف لم تتوقف. وقد ترافقت تلك التهديدات مع تهديدات وزير الأمن أفيغدور ليبرمان الذي وعد بأن أي حرب مقبلة لن تتوقف قبل القضاء على (حماس) وإنهاء وجودها في غزة! وعندما يترافق الحديث عن الصفقة، ويتم تسريب أن «تقدماً جوهرياً» تحقق حتى الآن، مع «العقوبات» التي نفذتها وتنفذها السلطة الفلسطينية ضد غزة وضد الحركة، وآخرها ما تم تنفيذه قبل أيام من قطع رواتب أعضاء (حماس) في المجلس التشريعي في الضفة، باسم «إنهاء الانقسام»، فإن الأوراق تختلط والمعطيات تتقاطع، وربما تتوه التوقعات، وتصبح الاستنتاجات من قبيل الضرب في الرمل!!

awni.sadiq@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى