قضايا ودراسات

فرصة الخدمة المجتمعية

راشد محمد النعيمي

أحياناً يحتاج المرء إلى صدمة كي يستفيق مما هو فيه، ويستدرك قبل أن تقع الفأس على الرأس، ولا ينفع الندم، وهو الأمر الذي أجده في تدابير الخدمة المجتمعية التي ينفذها الشباب بين حين وآخر، ويعلن عنها كي يعرف الجميع أن الجهات الأمنية في بلادنا لا تعاقب بالسجون والغرامات فقط، بل تطمح إلى تطبيق أرقى الأساليب التربوية التي توفر فرصة ذهبية للمخطئين في حق أنفسهم والمجتمع لمراجعة النفس والمضي مجدداً إلى جادة الصواب من خلال ممارسة الخدمة المجتمعية.
شباب في هذا المجتمع تجد أن فهمهم وإدراكهم للأمور لم يكتمل بعد رغم اكتمال بنيتهم الجسمانية، وبدلاً من معاقبتهم بالسجن جاء العقاب جديداً فيه فائدة أكثر، حيث إن عقوبة التدابير المجتمعية باتت فرصة تقدمها المحكمة للمدانين في القضايا التي لا تزيد عقوبتها في قانون العقوبات عن ثلاث سنوات، وذلك بهدف تهذيب دوافعهم وتوجهاتهم النفسية والفكرية بعيداً عن وضعهم في المؤسسات العقابية، حفاظاً على سمعتهم ومستقبلهم الشخصي والمهني وهو الأمر الذي نعتبره رقياً في رد الفعل والتعامل، يجب أن نقابله نحن كأفراد في هذا المجتمع بمزيد من الفهم والتجاوب.
أغلب المشكلات الشبابية تتركز في موضوع السيارات، وما يرتبط بها من رعونة وتهور وطيش وتعريض النفس والغير للخطر، باتت جميعها سبباً في مآسٍ مؤلمة لكثير من البيوت فقدت أبناءها في لحظة طيش، وحولت آخرين إلى أصحاب إعاقات جسمانية تحرمهم من ممارسة حياتهم الطبيعية، لذلك فإن مواجهة هذه الظاهرة تحتاج إلى تعاون كل الجهات التربوية والمجتمعية والإعلامية، إضافة إلى المؤسسات الأمنية والقضائية، وتركيز من أولياء الأمور والأسر على ضرورة الانتباه وتوجيه أبنائهم إلى خطورة عدم الالتزام بقوانين السير والمرور، وغرس القيم التربوية فيهم ومراقبة سلوكياتهم.
إن استحداث نيابة متخصصة لتدابير الخدمة المجتمعية، يأتي في إطار دور النيابة في تمثيل المجتمع والمحافظة على مصالحه من خلال ترسيخ سيادة القانون، ضمن أرقى الممارسات النيابية والخدمية وفق المعايير المعتمدة عالمياً، وهي خطوة رائدة لا تهدف إلى التشهير بالمتهمين الذين نراهم ينظفون الطرقات، أو يقدمون الخدمات، بل إنها تذكرهم وتذكرنا في كل مرة بضرورة تهذيب النفس والتفكر والمراجعة، بدلاً من السجن، لذلك فهي فرصة وليست عقوبة.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى