قضايا ودراسات

فرصة السلام الأخيرة

د. ناجى صادق شراب
عملية إحياء السلام ليست بسيطة كما يعتقد البعض، إنما هي معقدة جداً، ولا تتحقق بالتصريحات، والمواقف، والأمنيات، لأننا أمام صراع غير عادي، إنما هو مركب، وممتد، وملفاته مترابطة، ومتداخلة لدرجة يصعب حل عقدة حتى تبرز عقدة أخرى. والصراع له محدداته الدينية، والقومية، والوجودية التي تصل إلى حد رفض كل طرف للطرف الآخر، وعدم الاعتراف بحقوقه، كما له محدداته النفسية التي تجذّرت في الكينونة العقلية لكل طرف، وباتت تحكم سلوكه، إلى جانب أنه صراع له مكوناته الإقليمية، والدولية التي غالباً ما تتصارع وتتباعد، وتلقي بتناقضاتها على أطراف الصراع.
هذه التعقيدات، وغيرها لم تمنع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الإصرار على إنهاء هذا الصراع، وتصريحه يوحي بأنه لا يوجد مبرر لعدم تحقيق السلام بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين».
هذه الرغبة ترجمت بزيارته إلى المملكة العربية السعودية، وحضوره قمماً خليجية، وعربية، وإسلامية، ثم زيارة «تل أبيب» والضفة الغربية المحتلة، ثم زيارة زوج ابنته كوشنر إلى الأرض المحتلة ورام الله لبحث إمكانية استئناف عملية التسوية.
بداية، لا يمكن التقليل من رغبة ترامب هذه لأنها تأتي من دولة كبرى تحتكر عملية السلام، وتملك من القدرات والنفوذ والقوة ما يسمح لها بهذا الدور، خصوصاً إذا ما مورس على الطرف الذي يرفض السلام، وهو «إسرائيل».
لكن هل يملك ترامب الشجاعة على ممارسة هذا لدور على «إسرائيل»، ويتخلى عن مواقف تاريخية للإدارات الأمريكية في دعم «إسرائيل»، وحمايتها وضمان تفوقها، وهل يملك رؤية تفصيلية للصراع وكيفية إحياء السلام؟
إن الركيزة المحورية لإحياء عملية السلام هي قيام الدولة الفلسطينية والاعتراف بها، والانطلاق منها لبقية الملفات. أما لماذا الدولة؟ لأنها الخطوة الأولى التي يمكن البناء عليها لإحياء عملية السلام، وتصحيح كفتي الميزان السياسي، ف«إسرائيل» قائمة كدولة، وهذا في حد ذاته بالنسبة إليها يعتبر إنجازاً كبيراً، ما ينقص هذه الدولة هو الشرعية والاعتراف بها من دول الجوار. لكن الفلسطينيين ليس لديهم دولتهم، لذلك يوجد اختلال كبير بين كفتى الميزان، فالخطوة التصحيحية تكون بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، ثم تبادل الإاعتراف، وبعدها يمكن تحميل ملفات القضية عل كفتي الميزان. هذه هي الركيزة الأساسية لعملية إحياء السلام. فهل يدرك الرئيس ترامب هذه الحقيقة؟
بقراءة سريعة لملامح السياسية الأمريكية سنجد أنها ترتكز على منطلقات رئيسية، أهمها التحالف الاستراتيجي مع «إسرائيل»، وضمان تفوقها على كل الدول العربية، وثانياً الحفاظ على المصالح الاستراتيجية التقليدية للولايات المتحدة، كتدفق النفط وبأسعار معقولة، والحفاظ على العلاقات التحالفية مع الدول الصديقة، وثالثاً، وهذا هو الجديد، مواجهة ملف الإرهاب، وما يشكله من تهديد مباشر على المصالح الأمريكية. إلا أن عملية إحياء السلام في المنطقة تحكمها، إلى جانب هذه المنطلقات، الضغوط، والقيود الداخلية في السياسية الأمريكية، كدور اللوبي الصهيوني، والمؤسسات السياسية كالكونجرس، ومؤسسات الدولة العميقة. ودور الرأي العام ومؤسسات الفكر والدراسات وهي في معظمها مؤيدة ل«إسرائيل».
وإلى جانب ذلك هناك تحديات متعلقة بالسلطة الفلسطينية، وحالة الانقسام، وضعف الشرعية، والسلطة، ومحدودية خياراتها ما يقيد حركتها السياسية. أما التحدي الأكبر فيتمثل في الحكومة اليمينية المتشددة في الكيان التي يرأسها بنيامين نتنياهو، وتضم عتاة المتطرفين الصهاينة والتي ترفض حل الدولتين، وتصر على قومية يهودية «إسرائيل»، والتمسك بالقدس عاصمة لها.

drnagish@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى