قضايا ودراسات

فرصة لإعمار العراق

يشتد الجدل في العراق حول مؤتمر مزمع عقده الخميس المقبل منتصف يوليو الجاري لممثلي المكوّن السنّي، وبرعاية حكومية، من أجل بلورة مرجعية سياسية لهذا المكوّن. ويحظى هذا المؤتمر بتشجيع من رئيس الحكومة حيدر العبادي، ودول عربية، إضافة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقد سبقه عقد مؤتمر لهذا المكوّن في أنقرة. الجدل يدور حول رفض عقد المؤتمر من أساسه. بينما يجادل آخرون بأن بعض المدعوين صدرت بحقهم أحكام قضائية، علماً أن هذه الأحكام صدرت في غيابهم. فيما يرتئي آخرون عقد مؤتمر وطني عابر للطوائف، يضم ممثلين لجميع الطوائف والمناطق والتيارات السياسية.
وكان يمكن لهذا الجدل أن يكون طبيعياً ويعبر عن حيوية سياسية لو كانت الأمور عادية في بلد الرشيد. غير أن الوضع هو على ما يعلم الجميع خلاف ذلك. فالخلافات عرضة للتحوّل إلى توترات أمنية مع تفشي انتشار الأسلحة وتعدد القوى المولجة بالأمن.
لقد أريد لهذا المؤتمر أن يكون برهاناً على توجّه التحالف الوطني الحاكم من أجل إجراء تسوية تاريخية، تقرّب بين مكونات المجتمع وتجعل من الدولة مرجعية جميع المواطنين. كما أريد عقد المؤتمر في هذا الوقت بالذات بعد زوال الجزء الأكبر من خطر تنظيم «داعش» بعد دحر التنظيم الإرهابي عن مدينة الموصل، وذلك من أجل التهيئة لمرحلة جديدة من عمر البلاد، ومن أجل إشاعة أجواء مواتية للانتخابات البرلمانية المقررة في العام المقبل.
على أنه لا يمكن حل الخلافات أو بلورة رؤى مشتركة، ما دام التلويح بالسلاح قائماً، وهي المعضلة التي ترجئ حكومة العبادي النظر فيها، بما يجعلها أكثر استعصاء على الحل، ولا يمكن إرساء حياة سياسية سليمة ما دامت بعض القوى السياسية تحتكم إلى السلاح وتستقوي به على خصومها، أو حتى على منافسيها.
ومع ذلك فإن عزم الحكومة على تسهيل عقد مؤتمر لمكوّن رئيسي في النسيج الاجتماعي وبرعاية حكومية، يمثّل خطوة إلى الأمام، وتصحيحاً لخلل قائم وطال العهد عليه، وتلاحظه الأطراف الإقليمية والدولية التي لطالما صارحت حكومة العبادي به. ومن المقرر أن يتم الانعقاد إذا سارت الأمور بغير عراقيل، في كل من بغداد وأربيل وذلك لصعوبة وصول بعض المشاركين إلى العاصمة، نظراً لاعتبارات أمنية. وفي الظن أن نجاح هذا المؤتمر سوف يهيىء لعقد مؤتمر وطني جامع، بل يكفل لهذا المؤتمر الثاني أسباب النجاح، إذ إن تذليل عقبة تشكيل مرجعية أو ربما مرجعيات للمكوّن السنّي، سوف يذلل العقبات الأخرى
أما الرافضون لعقد المؤتمر ، فهؤلاء لا يريدون للعراق أن يخرج من محنته، أو أن يستعيد وحدته الوطنية، وينطلق إلى مشاركة سياسية حقيقية في ظل دولة وطنية جامعة، ويسهل عليهم إطلاق النعوت الجزافية بالدعشنة على شركائهم في الوطن، لضمان دوام إقصاء هؤلاء، وكي يواصلوا هم انفرادهم بالحكم أو التحكم من خارج الحكم، علماً أن القاصي والداني في بلاد الرافدين يعلم من الذي سهّل ل «داعش» الإطباق على الموصل، مع ما أدى إليه ذلك من كوارث، لم يبرأ العراقيون من مختلف الطوائف والأعراق من مفاعيلها بعد.
إن العراق مقبل على استحقاقات متتابعة، من أهمها الاستفتاء المزمع إجراؤه في إقليم كردستان حول الانفصال /‏ الاستقلال أو البقاء ضمن العراق كمحافظة. وهو ما يستدعي إجراء تفاهمات بعيداً عن التحديات، تتولاها جميع الأطراف المعنية. كما أن مرحلة ما بعد «داعش» تمثّل بدورها استحقاقاً مهماً. إذ إن الأمن الداخلي لا بد أن يخضع لاعتبارات مهنية ووطنية، وليس إلى مبادرات وتحشدات من هذا الطرف أو ذاك بعيداً عن مؤسسات الدولة. كما أن إعادة الإعمار يشكل بحد ذاته تحدياً جسيماً واجب الوفاء به، تضاف إلى ذلك الانتخابات المقبلة وما يتصل بها من قانون انتخابي وتنظيم للدوائر وتحديد الطرف الصالح للإشراف على العملية الانتخابية.
إن هذه التحديات والاستحقاقات تملي الخروج من التخندقات، وإرساء السلم الأهلي واقعاً ومناخاً عاماً، والتوقف عن الأنانيات الفئوية، والالتفاف حول الدولة وتمكينها من فرض سيادتها واستقلالها، والحد من كل تدخل خارجي في شؤونها وتحت أي مسمى كان.

محمود الريماوي
mdrimawi@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى