قضايا ودراسات

في ذكرى نكسة حزيران

قبل أيام صادف الخامس من حزيران/ يونيو، وهو تاريخ يبدو أن الذاكرة العربية الجمعية، لا تستطيع نسيانه بسهولة، ففي مثل هذا اليوم، وقبل نصف قرن من الزمن تلقى العرب هزيمة عسكرية كبيرة، في حرب لم يتجاوز مداها الزمني أكثر من ستة أيام، ما دعا البعض إلى تسميتها بحرب الأيام الستة.
ورغم أن الآلة الإعلامية العربية الرسمية رفضت في ذلك الوقت الاعتراف بالواقع الأليم، وراحت تبحث عن مصطلحات تخفف من خلالها من وقع كلمة الهزيمة أو الكارثة إن أردنا توخي الحقيقة، فاخترعت عبارة «نكسة حزيران» كمصطلح يراد به تخفيف الصدمة لدى المواطن العربي، الذي لم يكن قد خرج بعد من آثار نكبة فلسطين عام 1948 والتي أدت إلى إقامة الكيان الصهيوني على انقاض الوطن والشعب الفلسطينيين.
وعلى الرغم من أن هذه الهزيمة العسكرية منيت بها ثلاث دول عربية محيطة بفلسطين، إلا أن ظهور تنامي العمل الكفاحي الفلسطيني المسلح بعد الحرب، ولا سيما في أعقاب معركة الكرامة في الحادي والعشرين من مارس عام 1968 أي بعد عدوان حزيران بعام واحد، استطاع أن يوقف إلى حد ما الانهيار العربي الرسمي أمام هجمة الكيان الصهيوني، كما أنه ساهم في إعادة شيء من الثقة بالنفس لدى المواطن العربي، وبشكل خاص الفلسطينيين، الذين أخذت الحرب ما تبقى من بلادهم، حيث وقعت الضفة الغربية وغزة آنذاك تحت قبضة الاحتلال الصهيوني، لتكون «إسرائيل» قد أتمت بذلك احتلال فلسطين بالكامل، ناهيك عن احتلال أراض عربية أخرى في كل من مصر وسوريا والأردن.
ومع أن الكفاح الفلسطيني المسلح تمكن عبر تضحيات الشعب الفلسطيني الكبيرة من أن يعيد الأمل إلى حد ما بإمكانية التخلص من نير الاحتلال، خاصة بعد توجيه الكثير من الضربات العسكرية والأمنية لهذا الكيان الغاصب، إلا أنه ما يدعو للأسف، أن الدماء الفلسطينية والعربية الغزيرة التي أريقت في ساحات الصراع مع الاحتلال الصهيوني، سرعان ما تم استثمارها في متاهات جديدة تبتعد كلياً عن البوصلة التي حددتها الثورة الفلسطينية الحديثة، وهي استمرار الصراع مع الاحتلال حتى تحرير الوطن الفلسطيني السليب، وأن اتجاه البندقية الفلسطينية هو فقط نحو الكيان الصهيوني.
وبدلاً من الاستفادة من الصمود الفلسطيني، والعربي في رفض هزيمة الخامس من حزيران، من أجل ترسيخ فكرة الكفاح والنضال، نرى أن القرار الرسمي العربي، والفلسطيني أيضاً، أدخل نفسه وبعد سنوات قليلة، في متاهات سياسية، تحت ذريعة البحث عن تسوية سلمية للصراع العربي – «الإسرائيلي»، الذي يدرك أي مطلع على التاريخ أنه صراع وجودي بكل ما في الكلمة من معنى.
وهكذا فإننا وبعد خمسين عاماً على هزيمة الخامس من حزيران عام 1967، بدلاً من أن نرى ترجمة للرفض العربي والفلسطيني لهذه الهزيمة على الأرض، نرى أن الواقع العربي بشكل عام والفلسطيني خاصة يشهد المزيد من التراجع، والتشرذم بشكل بات يشكل خطراً حقيقياً على ما تبقى من حضور عربي مهما كان نوعه.
ولعله من المفارقة الكبيرة أن منذ هزيمة حزيران وحتى يومنا هذا، غطى الاستيطان الصهيوني أكثر من تسعين بالمئة من الأراضي الفلسطينية المحتلة، رغم أن أهم أسس التسوية التي قبل بها العرب والقيادة الفلسطينية بعد مؤتمر مدريد للسلام، وما لحقها من مبادرات ومفاوضات ومن ضمنها اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير و«إسرائيل» هو وقف الاستيطان «الإسرائيلي» في الأراضي الفلسطينية، تمهيداً لحل يقوم على مبدأ الدولتين، الذي يبدو هو الآخر أنه بات مجرد شعار على الورق في ظل تراجع الموقف العربي، ولا سيما بعد الهزات الاجتماعية والسياسية والصراعات الكبرى التي غرقت فيها الكثير من الدول العربية، بعد ما سمي «الربيع العربي» ناهيك عن حالة الانقسام المؤلم في الصف الفلسطيني، وهكذا، بدلاً من أن نستعيد ذكرى الخمسين لعدوان الخامس من حزيران، بعدد من الإنجازات الوطنية على الأرض، فإننا نعيش واقعاً عربياً أسوأ بكثير مما كان عليه الحال قبل خمسين عاماً.
نبيل سالم
nabil_salem.1954@yahoo.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى