قضايا ودراسات

قاعدة روسية ثالثة في سوريا

سامي مبيض

تعمل روسيا حالياً بصورة متكتمة في بناء قاعدة لها في سوريا، ستكون عند الحدود الجنوبية مع الأردن، وهدفها هو أن تشكل «منطقة خفض توتر» خالية من تواجد أي قوات غير سورية حكومية، ومن أي تواجد لتنظيم «داعش» أو أي مجموعات مقاتلة أخرى في منطقة الحدود مع الأردن.
بدأ الجيش الروسي حديثاً، بصورة متكتمة، بناء قاعدة عسكرية جديدة في جنوب سوريا، ستكون مهمتها ضمان «منطقة خفض توتر» على غرار مناطق مماثلة أخرى تم الاتفاق بشأنها في أوقات سابقة من العام الحالي، بين موسكو وأنقرة وطهران.
والقواعد الثلاث الأولى أقيمت في مناطق حمص، وإدلب، وضواحي دمشق، في حين أن القاعدة الجديدة ستشمل أراضي تمتد من درعا، على مسافة 13 كلم إلى الشمال من الحدود مع الأردن، حتى الحدود ذاتها، بما فيها مدينة القنيطرة في مرتفعات الجولان ومدينة السويداء.
والقوات التي ستتمركز في هذه القاعدة ستكون مسؤولة أيضاً عن تطهير المنطقة من أي قوات «غير سورية»، في إشارة إلى «القاعدة»، وجبهة فتح الشام (النصرة سابقاً)، و«داعش»، وكذلك حزب الله اللبناني.
وتسعى الحكومة الأردنية إلى تطهير تلك المنطقة الحدودية من أي لاعبين، غير دول، وهي تطالب بإبعاد مثل هذه المجموعات حتى مسافة 30 – 50 كلم في عمق الأراضي السورية.
وكان الروس يسعون في البداية إلى إعادة الجيش السوري إلى الجبهة الجنوبية، ولكن ذلك قوبل بمعارضة قوية من الولايات المتحدة والأردن و«إسرائيل»، على أساس أن عودة قوات الحكومة السورية ستعني أيضاً عودة قوات إيرانية وحزب الله.
وهناك فكرة مطروحة على النقاش الآن، هي تعديل مهمة قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك، التي تنتشر في منطقة الحدود السورية – «الإسرائيلية» منذ منتصف السبعينات، والتي تكمن مهمتها في مراقبة وتسجيل أي انتهاكات لوقف إطلاق النار.
ومنذ تفجر النزاع السوري في 2011، كانت قوات الأمم المتحدة تتعرض بصورة متكررة لهجمات، ما أرغمها على الانتقال إلى الجانب «الإسرائيلي» من الحدود في أواخر 2014. وعادت مجموعة صغيرة من هذه القوات إلى الجانب السوري في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. والفكرة المطروحة على النقاش الآن هي تجهيز قوة مراقبة فض الاشتباك بقوة نارية، وتفويضها حق حمل أسلحة واستخدامها ضد لاعبين غير دول، ينتهكون وقف إطلاق النار أو يتحركون عبر بلدات وقرى سورية، سواء كانوا من «داعش»، أو «فتح الشام»، أو حزب الله.
ولكن من المستبعد جداً أن توافق الأمم المتحدة على مثل هذه الترتيبات، لأن ذلك سيعرض أفراد قوة الأمم المتحدة لخطر كبير، خصوصاً إذا حاولوا نزع أسلحة المجموعات المذكورة أعلاه.
وهناك فكرة معقولة أكثر طرحها الروس، وهي تقضي بأن تتولى قواتهم ضمان الأمن في المنطقة، تماماً كما حدث عندما تم نشر 600 شرطي عسكري روسي في منطقة شمال حلب، في وقت سابق من العام الحالي. وأكد الروس استعدادهم لإعادة «السلطة المدنية السورية» لكي تتولى إدارة منطقة خفض التوتر الجديدة، ما يعني عدم نشر جنود، أو مدرعات، أو طائرات في المنطقة.
ويصر الروس على أن ترفع دمشق العلم السوري في درعا، وأن تعيد فتح معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن، وهو معبر حيوي للتجارة الثنائية بين البلدين.
ولكن التفاصيل بشأن من سيتولى الإشراف الأمني على مجمل هذه المنطقة الجنوبية، ومسألة تحديد مساحة هذه المنطقة، كانت موضع نقاش خلال محادثات أستانة للسلام في سوريا مؤخراً، بمشاركة روسيا وإيران وتركيا.
والقاعدة الروسية الجديدة، التي ستتولى الإشراف على منطقة خفض التوتر الجديدة، ستكون في قرية خربة رأس الوعر، التي تبعد حوالي 50 كلم من دمشق، ومسافة 96 كلم من الحدود السورية – الأردنية. وستكون هذه القاعدة في موقع استراتيجي على مسافة 110 كلم إلى الجنوب من الجولان السورية.
والقاعدة الجديدة ستكون القاعدة الروسية الثالثة في سوريا، إلى جانب قاعدة حميميم جنوب شرق اللاذقية، وقاعدة ميناء طرطوس. ودور القاعدة الجديدة سيكون تنفيذ خطة من ثماني نقاط تم الاتفاق بشأنها في يونيو/حزيران بين روسيا والولايات المتحدة والأردن. ويقضي الاتفاق بمنع قوات جميع الأطراف المتحاربة في سوريا من تبادل إطلاق النار عبر الطريق الرئيسي بين دمشق ودرعا، وإخلاء المنطقة الحدودية الجنوبية بعمق 30 – 50 كلم من أي «قوات غير سورية».

مؤرخ ومحلل سياسي وصحفي سوري يعمل أستاذاً في مركز كارنيجي في الشرق الأوسط في بيروت
– موقع آسيا تايمز


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى