قضايا ودراسات

قضايا قديمة بأسماء جديدة

خيري منصور

لم تكن الحياة السياسية في العالم قبل ميكافيلي وكتابه الشهير على قدر من الفروسية بحيث تُحرّم بعض الوسائل حتى لو عظمت الغايات، وكل ما في الأمر أن ما كان متداولاً وفي نطاق العرف والثقافة الشفوية قيض له من يدونه، ويصوغه على شكل وصايا، وبالتأكيد لم يقرأ يوليوس قيصر كتاب ميكافيلي، ولم يكن يلمح إليه حين قال عبارته الشهيرة: «حتى أنت يا بروتس»!
وقد عرف تاريخ السياسة الذرائعية قبل أن يدرجها علماء النفس في معاجمهم مثلما عرف السادية والإفراط في التعذيب قبل ميلاد الماركيز دوساد، وكذلك البرجماتية قبل فيلسوفها برجماتوس، تماماً كما أن علم النفس لم يخترع العقد والأمراض التي يتحدث عنها، فقد عرفها البشر على امتداد التاريخ لكنها كانت تحمل أسماء أخرى أو تبحث عن أسماء!
وهذا هو الفارق بين الاكتشاف والاختراع فالاكتشاف توصيف وتسمية لما هو موجود.
ومن اكتشف قارة مثل كولومبوس لم يخترعها، بعكس الاختراع الذي يبتكر أشياء لم تكن معروفة من قبل كالبارود والبنسلين والكهرباء وسائر منجزات التكنولوجيا.
إن من يقرأ التاريخ وما بين سطوره يجد أن معظم ما نتصور بأنه جديد ليس جديداً بالفعل، فالمكائد والدسائس السياسية لعبت دور البطولة في امبراطوريات سادت زمناً ثم بادت، والتفريق بين التكتيك والاستراتيجية عرفه البشر منذ أقدم الحروب لكن بأسماء أخرى، وما يطلق عليه الخدعة أو الحيلة هو في حقيقة المعنى الدقيق لما نسميه التكتيك في أيامنا.
حتى الإعلام المسيس والمؤدلج على طريقة الوزير النازي غوبلز عرفه البشر من قبل، ولعبت اللغات وسحر بيانها دوراً في التقبيح والتجميل والتبرير والتمرير.
لكن القراءات السطحية والأفقية وأحياناً السياحية للتاريخ توهمنا بأننا نعيش في تاريخ آخر، أو ما بعد التاريخ!
وهناك مقولة شهيرة لدانتوس تختصر المسألة كلها هي سحقاً لمن سبقونا فقد قالوا أقوالنا كلها. ولعل هذا ما قصد إليه شاعرنا عنترة العبسي في معلقته حين قال: هل غادر الشعراء من متردم؟
فهل هي لعبة أسماء أم أن من قال ما أشبه الليلة بالبارحة لم يكذب!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى