قضايا ودراسات

قطر والخطاب السياسي المضطرب

سلطان حميد الجسمي
الخطاب السياسي لدول العالم يكون على مبدأ الحفاظ على مكتسبات الماضي والتوجه الصحيح للحاضر والحكمة في المستقبل، وتكون له أبعاد سياسية ودبلوماسية من شأنها أن تحافظ على سيادة الدولة وتمثلها أمام الكيان العالمي؛ لكي تكون على مستوى الدول المتقدمة.
توقع العالم الذي يراقب أزمة قطر مع دول الجوار بأنها سوف تتخذ مساراً مخالفاً كما يحصل الآن على ألسنة سياسييها وإعلامييها الذين يصدرون خطاباً سياسياً لا يخدم قطر، فمجموعة الخطابات اليومية ركيكة جداً، وتستعمل عبارات رديئة لا تتناسب مع لغة المنطق والحكمة والاعتراف بالخطأ والرغبة الجادة في التخلي عن أجنداتها التي تسيء لدول الجوار، وللأسف فإن هذه الخطابات تصدر من رموز الدولة الذين لهم مناصب حساسة.
الخطاب المضطرب في التصريحات التي أدلى بها المتحدثون الرسميون لدولة قطر كان واضحاً، ويتصف بالضحالة والضعف، ففي أول تصريح لوزير خارجيتها كان يؤكد بأن اختراقاً وقع للمواقع الإلكترونية والتواصل الاجتماعي، وكان التذمر بندم وحسرة واضحاً جداً، ولكن بعد أيام بسيطة وبعد الدعم الكبير الذي قدمته تركيا لها خلعت قطر قبعة الندم ولبست القبعة التركية، قبعة اللجوء السياسي لدولة قطر من الرئيس التركي طيب أردوغان، حيث بادر النائب العام القطري بالقول بأن الاختراق أتى من دول الجوار، وقد وصفها بدول الحصار، وأن الاختراق تم عن طريق «الآي فون» وهذا استغفال للرأي العام، ومماطلة واضحة من شأنها تأجيج الأزمة.
لا تتغير نوعية الخطاب السياسي بمجرد لبس قبعة أخرى مزيفة، بل إنها كارثة كبيرة مستقبلية على دولة قطر، وهذا الفساد في الخطاب السياسي اليوم سوف يدفع بالقطريين إلى تسميتها بدولة ذات انقلابات وأوجه عدة.
من منبر القناة الإرهابية (الجزيرة) القطرية، ومن البرنامج الذي يكثر فيه الصراخ، ومن مقدمه فيصل القاسم، وفي حلقته التي أسماها أزمة الخليج كان الوصف بمنزلة خطاب سياسي موجه للدول الخليجية، وللأسف كان خطاباً رديئاً من أكاديمي حاصل على درجة الدكتوراه، وقد أجزم بأن الحل الذي أسماه «العلاج بالصدمة»، هو مجرد خزعبلات وجهل في التحليل والخطاب السياسي الذي يدار من المنابر الإعلامية في قطر.
أدلة دولية تدين الموقف القطري الداعم للإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، التسريبات الصوتية لمسؤولين في حكومة قطر مع الإرهابيين كذبت كل التصريحات السياسية التي تناولها الإعلام القطري في الآونة الأخيرة، والمشاهد أو المستمع الذي يتابع أخبار دولة قطر يرى اضطراباً كبيراً وتغطرساً في الخطاب السياسي، والذي بدوره يفقد السلطة القطرية مصداقيتها أمام المواطن القطري.
محاور التصريحات القطرية التي تستعمل فيها صفة الحصار لا تحتوي على أي أدلة كافية تنفي كونها حاضنة للإرهاب، وتتهرب من الأدلة والحقائق الواضحة، فهم وبالأدلة والبراهين يدعمون رموز جماعة «الإخوان المسلمين» بالمال والإيواء وخاصة المدعو يوسف القرضاوي وغيره على أراضيها، وأمام مرأى من الشعب القطري وشعوب المنطقة، وتمول التنظيمات المتطرفة، وبذلك تعلن رسمياً أنها تدعم الإرهاب، وتستغفل الشعوب بشعاراتها السياسية المزيفة.
تسعى قطر اليوم ومن دون شك لتأجيج الخلاف بينها وبين الدول العربية، بعدما تم بالفعل مقاطعتها سياسياً ودبلوماسياً وجزئياً من دول أخرى عربية وإسلامية، وذلك يرجع لعدم التزامها بعدم دعم الإرهاب، والتي هي مطالب الدول أجمع، مطالب إنسانية وأخلاقية لدول الخليج والعالم أجمع، جاءت في تصريحات موحدة من وزراء الخارجية ومسؤولي العلاقات الدولية العرب ودول إسلامية تطالب دولة قطر بإيقاف دعم المنظمات الإرهابية والمتطرفة، وعدم التدخل في شؤون الدول، وعدم التحريض ضدها، وهذه المطالب منصوص عليها في القوانين الدولية ومن أساسيات محاربة الإرهاب في العالم، ولا ينبغي التردد فيها.
تضعضع الجدار العربي والإسلامي كان على يد دولة قطر، فلها النصيب الأكبر من ذلك، وقطع العلاقات السياسية والدبلوماسية كانت قطر هي السبب الرئيسي فيه، والإعلام القطري كان من أهم الشرارات التي عملت على تقويض الصف العربي وتمزيق المنطقة.
الاختيار واضح من دولة قطر، فهي تحلم أن تكون قائدة مسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، وتسعى لذلك على حساب جيرانها، بمساعدة تركيا وإيران، وتركت الأشقاء في المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، وخرجت من هذه القوة العظيمة لتقع في حضن مزيف مملوء بالمؤامرات والتغيرات والتوترات، فكيف لقطر أن تنام في حضن قوى الشر.

sultan.aljasmi@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى