قطع العلاقات والإطار القانوني
تعتبر إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول من المبادئ العامة التي حرصت عليها الشرائع الدولية، باعتبارها عملاً يؤمن حسن الصلات وإقامة العلاقات الودية، ووسيلة فعالة إلى حد كبير لحل أي نزاع حول أي قضية طارئة. والأمر الشائع في هذا المجال هو تهيئة الظروف لإقامة العلاقات وضمان استمرارها، والاستثناء هو قطعها. وبالتالي السؤال الذي يثور هنا مدى مشروعية اللجوء إلى قطع العلاقات، وهل بإمكان الطرف المتضرر الاعتراض على ذلك؟.
في المبدأ، ووفقا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961، واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية 1963، إن إقامة العلاقات الدبلوماسية والقنصلية هو تدبير رضائي بين الدول، إذ لا يستطيع طرف إجبار طرف آخر على إقامة أي من العلاقات الدبلوماسية أو القنصلية، الأمر الذي ينسحب أيضا على فكاك العلاقات وإنهائها عمليا بعد إقامتها، لأي سبب يعتبره طرف ما متضرراً منه، أو تعبير عن احتجاج ناجم عن موقف أو تصرف يعتبر بنظر الطرف الآخر، عملاً من أعمال المساس بالسيادة على سبيل المثال أو القيام بعمل يتنافى مع جوهر وغايات إقامة العلاقات بين الدول.
والتاريخ الدبلوماسي والقنصلي بين الدول يعج بمثل تلك الحالات، حتى بدا في بعض الحالات والظروف الدولية من الأمور الشائعة وليست الاستثنائية، إذ لجأت إليها عشرات الدول في ظروف وأسباب مختلفة، تبدأ عادة بمبرر التدخل في الشؤون الداخلية ولا تنتهي عادة بالاتهام بالقيام بأعمال تخريبية، وصولاً إلى حالات محاولات قلب الأنظمة وغيرها.
وهذه الخطوة تعتبر شائعة في العلاقات الدولية. ففي الجانب القانوني، من الصعب مساءلة الدولة التي أقدمت على قطع العلاقات مع غيرها من الدول، باعتبار أن المبدأ هو رضائي وليس قسرياً، فعلى سبيل المثال لم يتمكن الاتحاد السوفييتي السابق من فعل أي شيء تجاه الاروغواي التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع موسكو إبان عصبة الأمم، حين لجأ الاتحاد السوفييتي آنذاك إلى مجلس العصبة لتقرير أن هذا العمل هو مناف لعمل العصبة ومبادئها، وأصرت الاروغواي في حينها على موقفها معتبرة أن من حقها قطع العلاقات مع موسكو، وأن ليس ثمة أي إطار قانوني يجبر على وصل ما انقطع؛ وهذا ما عادت وأكدته محكمة العدل الدولية إبان عهد الأمم المتحدة حول التوصيف القانوني لإقامة العلاقات وقطعها؛ الأمر الذي أكدته أيضا اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961، حول الحرية المطلقة للدولة في إقامة العلاقات وقطعها، وبصرف النظر عن الأسباب الموجبة لتلك الحالات لا تعير الدول عادة الانتباه إلا لمصلحتها تحديداً وليس لأي أمر آخر، إذ لا يتم اللجوء عادة إلى مثل ذلك التدبير أي قطع العلاقات، إلا في الحالات المستعصية والتي تعبّر عن تفاقم العلاقات بين الأطراف ووصولها إلى أماكن من الصعب تلافيها. والشائع بين الدول عادة، تخفيف مستوى التمثيل الدبلوماسي مثلا، أو اللجوء إلى طرد ممثلين دبلوماسيين، وحتى قطع العلاقات الدبلوماسية والإبقاء على التمثيل القنصلي.
صحيح أن قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، أمر لا يتم اللجوء إليه إلا في الحالات الضرورية القصوى، إلا أن الدول عادة ما تعتبره حقاً قانونياً مكتسباً وتستعمله عندما ترى أن طرفاً آخر، قد تمادى في سلوكياته الخارجية مع ما يتنافى وسيادته، وهو أمر يعتبر مقدساً في العلاقات الدولية، وهذا ما أقدمت عليه المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وغيرهما من الدول ضد قطر. وعلى الرغم من صعوبة العودة بالعلاقات إلى سابق عهدها، إلا أن العودة بها تستهلك وقتا طويلاً وإجراءات ومقدمات حتى في التفاصيل المملة، ورغم ذلك عادة ما تعتبر هذه الخطوات مبررة، وهي في الأساس لا تقدم عليها الدول إلا في الحالات التي تُغلق فيها جميع أبواب التقارب، وعندما ترى أيضا أن مثالب قطع العلاقات، هي أفضل من مكاسب البقاء عليها.
د. خليل حسين