قوة إفريقية فرنسية
مفتاح شعيب
على خطى سلفيه نيكولاي ساركوزي وفرانسوا هولاند، توجه الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون إلى الغرب الإفريقي للبحث مع قادة خمس دول في المنطقة مشروع قوة إقليمية مشتركة لمكافحة المجموعات المتطرفة، وهو مشروع يكاد يتجدد كل خمس سنوات من دون تحقيق نتائج حاسمة باستثناء الحد من الانتشار الإرهابي في شمالي مالي مع بقاء التهديدات قائمة.
قبيل ساعات من انعقاد القمة في باماكو بين ماكرون ونظرائه، من موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، بثت جماعة متطرفة على صلة بتنظيم «القاعدة» شريط فيديو يظهر ستة رهائن أجانب، من فرنسا وكولومبيا وأستراليا وجنوب إفريقيا ورومانيا وسويسرا، اختطفوا من مالي وبوركينا فاسو بين 2011 و2017. وبقطع النظر عما إذا كان بث هذا الشريط محض صدفة أم هو مدروس سلفاً ليسبق القمة ويسهم في تسخين مقرراتها، فإن خطر الجماعات المتطرفة قائم في منطقة الساحل الإفريقي ومازال عاملاً مثيراً للتوتر والفزع، وستعمل فرنسا مجدداً على التصدي له بتحالف من دول إفريقية تقوده وتشرف عليه، كما أنها تسعى إلى بذل مزيد من الضغوط لتطبيع الوضع في مالي، على الرغم من توقيع اتفاق سلام في مايو 2015 بين المتمردين الطوارق والحكومة المالية، وهو اتفاق لم يمنع من تواصل الهجمات المتطرفة في وسط البلاد وجنوبها وخارج الحدود أيضا. فقد بات معلوماً أن جيوش المنطقة، خصوصاً تشاد ونيجريا، تخوض حرباً ضروساً ضد جماعة «بوكو حرام» الإرهابية التي يهدد أذاها دولا ًعدة، في ضوء تحالف بين جماعات متشددة يمتد من ليبيا إلى جنوب الصحراء الكبرى. ومع توالي الجرائم الإرهابية، أصبحت دول المنطقة في مأزق حقيقي، بينما تشعر فرنسا بالحرج أمام شركائها الأفارقة لعجزها عن الإيفاء بالتزاماتها ووعودها باستكمال هذه الحرب.
ماكرون، المنتخب حديثاً، يأمل في تخفيف الأعباء المالية عن بلاده، التي تشكو من عجز كبير في ميزانيتها، بدعوة الحلفاء الأوروبيين ومنهم ألمانيا إلى المساهمة في تمويل إنشاء قوة إفريقية فرنسية تتكون من خمسة آلاف جندي. وضمن ندائه إلى المانحين الكبار، أكد ماكرون أن الالتزام العسكري الفرنسي في منطقة الساحل الإفريقي يحمي أوروبا من مخاطر الهجمات الإرهابية وموجات الهجرة غير الشرعية. ومن المرجح أن يجد النداء الفرنسي استجابة من عدد من البلدان الأوروبية، لأنه ينسجم مع فلسفة العمل الأوروبي المشترك الذي يتبناه ماكرون، وفاز على أساسه بالانتخابات الرئاسية. أما الشق الآخر من المهمة، فيتعلق بالدول الإفريقية ومدى قدرتها على تحمل تبعات الالتزام بأعمال عسكرية متحركة كطبيعة رمال تلك الصحارى الشاسعة. وبحسب متابعين كثيرين، فإن الهم الأكبر من الحرب سيلقى على كاهل تلك الدول لأن المعركة تدور على أراضيها وفي فضائها، والإرهابيون وقادة العصابات المجرمة أغلبهم من مواطنيها. ومع ذلك لا يمكن كسب هذه الحرب من دون بحث في قضايا كثيرة تعتبر حاضنة للظاهرة. وإذا كان ماكرون قد دعا قادة المنطقة إلى «الاستماع إلى شعوبهم»، فمن حق تلك الشعوب أن تطالب القوى الكبرى، وعلى رأسها فرنسا، بلعب دور أكبر للنهوض بالتنمية والقضاء على الفقر وكل الأسباب الطاردة للمهاجرين، أما على المستوى الإقليمي، فيبدو بقاء الأزمة الليبية مفتوحة من دون حل سيجعلها مخزوناً «استراتيجياً» للتوتر وانتشار الإرهاب، وهو ما يقوض أي جهود لدحره والقضاء عليه.
chouaibmeftah@gmail.com