قول «آمين» على الدعاء المسجّل
د. عارف الشيخ
التأمين على الدعاء سنة وعبادة مشروعة، وقد وردت في السنة أحاديث كثيرة تحث على الدعاء، وعلى قول آمين عند دعاء الداعي، ومن تلك الأحاديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا أمّن الإمام فأمّنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه). (رواه البخاري ومسلم)
ووردت في فضل التأمين أحاديث أيضاً منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما حسدكم اليهود على شيء مثلما حسدوكم على آمين وتسليم بعضكم على بعض).
وقول آمين معناه: استجب يا الله هذا الدعاء، وآمين إذا قلنا إنها عربية فهي من الفعل أمّن يؤمّن تأميناً كما ترد اليوم في القواميس اللغوية، وقيل: إن آمين أصلها أومين وهي عبرية أو سريانية.
على كل حال، فالتأمين كما رأينا في الأحاديث الواردة يكون من شخص حيّ حاضر على دعاء شخص حيّ حاضر في المسجد، أو في غيره، وفي الصلاة أو في المحاضرة، أو غيرها من المواقف.
لكن هل يجوز أن يؤمّن الشخص على دعاء شيخ أو إمام يدعو من خلال التلفاز أو المذياع على الهواء مباشرة، أو من خلال تسجيل يردد إذاعته وبثه؟
مثل هذا الفعل قيل إنه غير مشروع، لأن الدعاء عبادة، وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية فقيل لها: لو سمعت شريطاً صدر قبل سنة أو سنتين فيه شيخ يدعو، فهل أؤمّن على دعائه؟
فأجابت اللجنة: الدعاء والتأمين عليه عبادة، والمشروع هو التأمين على دعاء الحي الحاضر، أما الدعاء المسجل على الشريط فلا يشرع التأمين عليه.
أقول، ويقاس على التأمين غير التأمين أيضاً إذا كان مشابهاً له في الحالة، وذلك مثل أن تكون ماراً في السوق أو في الشارع أو جالساً في السيارة، وفجأة تسمع قارئاً يقرأ القرآن ويمر بآية السجدة. ففي هذه الحالة هل أنت معني بسجدة التلاوة؟ كلّا لأن القراءة تسجيل وإعادة وليس هناك قارئ حقيقي، وربما يعود التسجيل إلى قارئ قرأ تلك القراءة قبل خمسين سنة عندما كان حياً.
والقراءة والدعاء والتأمين وغيرها من العبادات تحتاج إلى نية وعزم لأنك تتعبد بفعلها ولا تعبّد في آلة تسجيل تحكي صوت شخص آخر غير حاضر أو حي.
ولو قلنا بمشروعية التأمين أو مشروعية سجود التلاوة لقراءة غير مقصودة لجاز لنا أن نقول بصحة الاقتداء بإمام الحرم من خلال التلفاز والمذياع ونحن بيوتنا، لكن لم يقل أحد بجواز ذلك، لأن الاقتداء له شروطه، كما أن الاستماع والتأمين لهما شروطهما.
ورب سائل يسأل فيقول: لنفترض أنه غير مشروع، فهل يأثم من يؤمّن على دعاء شيخ يدعو من خلال التلفاز أو المذياع حيّاً كان أو ميتاً؟
أقول والله أعلم: إن لا يجوز أحب إليّ من يجوز، لأنه طالما هو غير مشروع أكون مبتدعاً لو فعلت ما لم يفعله الرسول والأصحاب، ولم نجد لفعله وجهاً مقنعاً.
ومن أراد الخير وفعل الخير فأبواب الخير كثيرة، فلماذا لا يدعو بنفسه؟ وهل هناك أفضل من عبادة أنت تقوم بها بنفسك؟
إذاً، ابحث عن أبواب الخير، وافعل الخير ما استطعت، ولكن لا تشدد لا على نفسك ولا على غيرك لأن الله تعالى لا يحب المتشددين وقد جعل الدين يسرا، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «هلك المتنطعون».