قضايا ودراسات

كردستان.. المنقسمة

صادق ناشر

كرست الانتخابات التشريعية التي شهدها إقليم كردستان العراق نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، الانقسام الحاصل بين القوى السياسية الفاعلة في الساحة، والمتصارعة على النفوذ في الإقليم، خاصة بين الحزبين المتصارعين «الديمقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني»، بعدما حصل الأول على 45 مقعداً، فيما لم تتجاوز حصة الثاني21 مقعداً، ليتجاوزا بذلك ما يزيد على نصف مقاعد البرلمان البالغة 111.
فوز الحزب الديمقراطي، الذي يتزعمه مسعود برزاني، يؤهله لرئاسة الحكومة المقبلة في الإقليم، مقابل نصيب رئاسة الدولة العراقية لبرهم صالح المنتمي للاتحاد الوطني، الذي كان يتزعمه رئيس العراق الراحل جلال طالباني، حيث كان له حضور أكبر مما هو عليه اليوم، ولا شك أن الحزب تأثر بهذا الرحيل. أما الحزب الديمقراطي، فقد حافظ على مكانته باعتباره أكبر الأحزاب الكردية نفوذاً في الوقت الحاضر، ساعدته في ذلك النتائج التي تحققت للحزب في الفترة الماضية، وإمساكه بمفاصل إدارة حكم الإقليم في وقت الأزمات. وعلى الرغم من أن النتائج أظهرت سباقاً بين الحزبين الكبيرين، إلا أن هناك أحزاباً سجلت حضوراً لافتاً في الانتخابات، من أبرزها حركة التغيير التي حلّت ثالثة بواقع 12 مقعداً، و«حركة الجيل الجديد» ب8 مقاعد، مقابل 7 للجماعة الإسلامية، و5 لقائمة «نحو الإصلاح»، ومقعد واحد لكل من تحالف العصر «سردم» وقائمة «أزادي».
أهمية الانتخابات الأخيرة، أنها جاءت بعد مرور عام على محاولة فاشلة للاستقلال، الذي صوتت لصالحه غالبية الأكراد، وأحدث ردود فعل قوية من الحكومة العراقية، لدرجة التدخل عسكرياً في بعض المناطق الكردية. ويبدو أن خيار الاستقلال لم يحذف من برامج الأحزاب في الإقليم، لكنها لم تعد قادرة على إعادة الاستفتاء الذي أجرته في أغسطس/آب العام الماضي؛ نظراً لتغير الظروف التي يمر بها الإقليم، والانقسام الحاصل بين الأحزاب والحركات الكردية المختلفة.
كان من الواضح أن مرحلة ما بعد الاستفتاء على انسلاخ إقليم كردستان من الدولة العراقية، لن تكون كما قبلها، والخطوة الانقسامية تلك، بدت ضد رغبة العراقيين كافة؛ لأنها تذهب بوحدة العراق إلى التشتت والتمزق، وستكون ارتداداتها سلبية كبيرة على مستقبله. فالسلطة المركزية في بغداد، ومعها قوى إقليمية مؤثرة؛ تركيا على سبيل المثال، لم تكن لتقبل بدولة كردية مستقلة، على حدود ثلاث دول مجاورة للعراق، وبالتالي كان يجب البحث عن أفضل السبل لاستعادة الثقة بين بغداد وقيادة الإقليم، مع استمرار منح الإقليم أفضلية في الموازنة العامة للدولة العراقية.
كان الأكراد أنفسهم يُدركون أن ما حدث في قضية الاستفتاء مغامرة غير محسوبة العواقب، وقد أثبتت الأحداث اللاحقة أن حسابات الحقل لم تتطابق مع حصاد البيدر، وبالتالي عادوا إلى اللعبة السياسية سريعاً، بإجراء انتخابات تعمل على «تصفير الأزمة»، والانطلاق من جديد في تعايش مع الواقع عوضاً عن القفز عليه.

Sadqnasher8@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى