كردستان.. نافذة حرب جديدة
التطورات التي تشهدها الساحة العراقية في الآونة الأخيرة تشي بتحولات جذرية في هذا البلد الذي ابتلي بعوامل صراع وتفجير لا تنتهي، فبعد سنوات من الاحتلال الأمريكي، وأخرى في حرب شاملة ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، يجد العراقيون أنفسهم مجدداً في فوهة أزمة جديدة، هذه المرة من كردستان، حيث تصر قيادة الإقليم، المتمتع بحكم ذاتي، على إجراء استفتاء على الانفصال عن العراق الموحد في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، وهي خطوة ترفضها الحكومة المركزية، ودول إقليمية عدة.
الاستفتاء الذي يرفض حاكم إقليم كردستان مسعود برزاني إلغاءه، أو حتى تأجيله، يمثل قنبلة ستنفجر في وجوه الجميع، وسيكون مدخلاً لحرب شاملة، خاصة بعد أن أعلن قائد ميليشيات الحشد الشعبي، هادي العامري، أن قواته مستعدة لخوض حرب لمنع إجراء الاستفتاء، فيما حذر وزير الخارجية إبراهيم الجعفري من عواقب الإعلان عن الاستقلال من جانب واحد، مؤكداً أنهم سيجدون تنفيذه أصعب مما يتوقعون، داعياً زعماء الأكراد إلى التفكير ملياً قبل المضي قدماً في ما يرغبون في الإقدام عليه.
ووصل التوتر إلى أقصى مداه بالإجراء الذي اتخذه البرلمان العراقي يوم أمس بإقالة محافظ كركوك نجم الدين كريم، المؤيد للاستفتاء، بناء على طلب قدم له من مجلس الوزراء، ما يزيد من اشتعال الأزمة بشكل أكبر، خاصة أن المواقف ما زالت على حالها، حيث يصر الأكراد على الاستفتاء فيما يعارض العراق، ودول الجوار إجراءه، وقد طلب البرلمان من رئيس الوزراء، حيدر العبادي، اتخاذ كل الإجراءات اللازمة للحفاظ على وحدة البلاد، بما فيها استخدام القوة العسكرية، والبدء بحوار جاد لمعالجة المسائل العالقة بين بغداد والإقليم في إطار حرص البرلمان على وحدة العراق أرضاً، وشعباً.
واعتبر رئيس البرلمان سليم الجبوري أن الدستور العراقي يحدد الحالات التي يستفتى بشأنها، واستفتاء كردستان ليس من بينها، وإقحام المناطق المتنازع عليها، بينها كركوك الغنية بالنفط، في الاستفتاء يخالف الدستور أيضاً.
وإذا ما أدركنا موقف مسعود برزاني الذي يصر على إجراء الاستفتاء، رغم كل التحذيرات التي أبدتها أطراف إقليمية ودولية، بينها الولايات المتحدة الأمريكية، وحديثه من أن «البرلمان العراقي لن يتمكن من كسر إرادة الشعب الكردي»، فإنه يفهم أن أجواء الحرب بدأت تلوح في الأفق، فلا يمكن للدولة العراقية أن تسمح بإجراء الاستفتاء، لأن ذلك يفتح الباب أمام تمزيق العراق، وخروج الإقليم من حاضنة الدولة العراقية، ودخولها بالتالي صراعاً طويل الأمد، تشارك فيه دول مجاورة للعراق، مثل تركيا وإيران.
بيد برزاني والبرلمان الكردي الذي يعقد اليوم جلسته بعد تأجيلها يوم أمس، تجنيب البلاد مزيداً من الأزمات هي في غنى عنها، وباب الحوار مفتوح لمحادثات، قد تكون شاقة، لكنها تحافظ على وحدة العراق، وتحمي سيادته، خاصة أنه يتعرض لمؤامرات من قبل دول إقليمية عدة، من مصلحتها أن يبقى ضعيفاً، وممزقاً لتسهل المهمة في استنزاف موارده وثرواته، ومحو تاريخه العروبي لمصلحة أجندات مذهبية، وطائفية، تنتظر اللحظة لتحقيق ذلك.
صادق ناشر
sadeqnasher8@gmail.comOriginal Article