قضايا ودراسات

كيف نقيس الوقت؟

د. حسن مدن

حقاً، كيف نقيس الوقت؟ أو بالأحرى ما هو الوقت؟ هل ثمة وقت أصلاً؟ هذه أسئلة أوحت لي بها أبيات للشاعر ناظم حكمت، كتبها وهو في السجن.
ما أكثر ما رمى الطغاة بالشعراء في السجون، لا لشيء سوى أنهم يحبّون أوطانهم أكثر مما يحبّها أولئك الطغاة، وفي هذا قال حكمت نفسه: «أحب بلادي/ لقد تأرجحت على أشجارها وأقمت في سجونها/ لا شيء يمكن أن يزيل عني كآبتي/ مثل أغانيها وتبغها».
وبالمناسبة، فإن أنظمة السجن في بعض البلدان تنصّ على نزع الساعة من معصم السجين، ومصادرتها ريثما ينهي فترة عقوبته، ما يضعه أمام امتحان اختبار علاقته بالوقت، حيث يتعيّن عليه اختراع سبل أخرى لقياس مرور هذا الوقت، وإلا فإن ذلك سيدخله في متاهة.
ونعود إلى أبيات ناظم حكمت التي تقول: «منذ أن ألقيت في السجن/ دارت الأرض حول الشمس عشر مرات/ لو سألتها لقالت/ لا يستحق الذكر أصلاً/ زمن ميكروسكوبي/ ولو سألتني لقلت/ عشر سنوات من عمري».
يضيف الشاعر: «في السنة التي ألقيت فيها في السجن/ كان عندي قلم رصاص/ وقد أنهيته كلّه خلال أسبوع/ لو سألته لقال لك: حياة كاملة/، ولو سألتني لقلت/ لا تبالغ، إنما هو مجرد أسبوع».
في إحدى روايات ميلان كونديرا، لعلّها «خفة الكائن التي لا تحتمل»، تستوقفنا عبارة على لسان رجل سأله أحدهم، وهو يشكره على خدمة أجزاها له: أنت تقدّم الكثير من وقتك، فردّ الرجل: «المرء لا يقدّم وقتاً أبداً. إنه يقدّم اهتماماً، نصائح، معلومات، صداقة، ما أدراني ماذا أيضاً؟ الوقت ليس ملكاً لأحد إنه أداة قياس».
المدهش في هذا التوصيف النابه، أنّه يخرج الوقت، أو فلنقل الزمن، من دائرة الفلسفة، ليجعل منه مسألة إجرائية بحتة: وحدة قياس ليس إلّا، تماماً كما نقيس ضغط الدم بجهاز قياس الضغط، أو كما نزن الأشياء في محال البيع: كأن نطلب من البائع كيلو من السكر مثلاً.
لكن تجاربنا في الحياة تظهر أن الوقت يمكن أن يكون عصيّاً على القياس، فكم من المرات التي شعرنا فيها أن الوقت يمرّ بطيئاً، خانقاً، رتيباً، حتى نشعر بأن الدقائق فيه ساعات طوال، نودّ لو أنها تنتهي، وكم من المرات التي شعرنا فيها أن «الأوقات» الجميلة، الحنون، تمرّ بسرعة مذهلة، حتى لنكاد نردّد مع السيدة أم كلثوم: «ونقول.. للشمس تعالي تعالي.. بعد سنة، مش قبل سنة».

madanbahrain@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى