قضايا ودراسات

كي لا ينتصر الإرهاب بالضربة القاضية

فيصل جلول
يُلحق الإرهاب أذىً لا يمكن حصره بالجاليات العربية والمسلمة في الدول الغربية. ونلاحظ هذا الأثر السيئ من خلال شهادات أدلى بها مثقفون وسياسيون ورجال أعمال لا يكنّون عداءً في حياتهم اليومية للعرب والمسلمين.
وتفيد شهادة أدلى بها كاتب معروف في فرنسا، أن الرجل بات يشك في الشخص الذي يجلس بجانبه في الحافلة، فيحتار ما إذا كان جديراً بالتحادث والاستلطاف خلال الوقت الذي تستغرقه الرحلة، أم أنه مرشح محتمل ليفجر نفسه في وسائل النقل.
هذا القلق ليس قاصراً على الذين يدلون بشهادات لوسائل الإعلام، فهو يشمل ربما القسم الأكبر من الناس الذين باتوا لا يعرفون كيف يردون على تساؤلات من هذا النوع. وإذ تعرض وسائل الإعلام سير الإرهابيين الذين فجروا أنفسهم مؤخراً، يكتشف الرأي العام أنهم في أكثريتهم الساحقة من المصنفين في مرتبة خطرة في إضبارات الشرطة، وأن معظمهم بدت عليه مؤشرات إيديولوجية دينية راديكالية، لكن الملفت هو انتظامهم في سلوك اجتماعي طبيعي وسط الأحياء التي يقيمون فيها. هكذا نلاحظ أن أحدهم هو رب عائلة مؤلفة من زوجة وثلاثة أطفال اصطحب أولاده إلى المدرسة صباحاً ومن ثم توجه إلى مقر عمله وأجبر رب عمله على الصعود في سيارة الشركة ومن ثم قتله وحاول تفجير مجمع كيماوي، قبل أن تفاجئه الشرطة.. مثل هذه الحالة يصعب اكتشافها باكراً وبالتالي التزام الحذر إزاءها.
وإذا كان القسم الأعظم من الذين انتحروا ينتمون إلى تيار ديني متشدد، فإن أحدهم ما كان على هذا النحو أبداً، ونعني بذلك الشخص الذي قاد الشاحنة على كورنيش مدينة نيس خلال العيد الوطني الفرنسي في 14 يوليو/تموز من العام الفائت. وقد لوحظ أنه يحمل بطاقة إقامة لمدة عشر سنوات في فرنسا وكان يأكل لحم الخنزير ويشرب الكحول ويبحث عن الغرام مع فتاة تلو الأخرى، ولا يمارس الصلاة بانتظام ولا يلتزم الصوم في شهر رمضان ومع ذلك نفذ عملية إرهابية باسم «داعش» كانت الأكبر من حيث عدد الضحايا.
في حالة ثالثة تبين أن الإرهابي شاب ودود ولا يرتبط بمشاكل تذكر مع جيرانه أو في عمله، وبالتالي لا موجب للحذر منه، وإذ به ينفذ عملية إرهابية وسط ذهول معارفه ورفاقه وأهالي الحي الذي يعيش فيه.
وحتى وقت قريب كان القيام بعمليات إرهابية قاصراً على الذكور، إلى أن اكتشفت عملية «نوتردام دو باري» التي انطوت على محاولة فاشلة لتفجير سيارة بواسطة قوارير الغاز، وكانت سيدة أو سيدتان يقدن السيارة، وهي العملية الوحيدة التي تبين من خلالها أن الأعمال الإرهابية يمكن أن تنفذها امرأة، وبالتالي بات من الصعب أن ينحصر الحذر في صفوف الذكور وحدهم.
من جهة أخرى تبين أيضاً أن تنفيذ مثل هذه الأعمال الإرهابية ليس قاصراً على المقيمين والفرنسيين من أصل أجنبي، فقد لوحظ أن سائحاً مصرياً حاول العام الفائت طعن رجال الشرطة أمام متحف اللوفر الشهير، وهو ليس وافداً من ضواحي القاهرة الفقيرة وإنما من شركة يعمل فيها مستشاراً قانونياً، ويفيد مكان إقامته في دائرة ميسورة وفي فندق مهم من فنادق الدائرة الباريسية الثامنة.
تبقى إشارة إلى أن أكثرية الذين قاموا بالعمليات الإرهابية، في فرنسا على الأقل، لم يكونوا معروفين بتشددهم الديني، وإن التشدد وقع خلال فترة زمنية قصيرة للغاية، ما يبعث على القلق لدى المواطنين الذين باتوا لا يعرفون كما لاحظنا للتو، ما إذا كان الجالس بقربهم في وسائل النقل شخصاً عادياً لطيفاً ودوداً أم مرشحاً لتفجير نفسه وغيره.
هذا القلق النفسي يمكن إذا ما طال الوقت، أن يتسبب بانقسام في المجتمعات الأجنبية بين المهاجرين العرب والمسلمين والمواطنين من أصول عربية وأجنبية من جهة، وبين غير العرب والمسلمين من جهة أخرى، ويمكن أن تولد من هذا الانقسام ردود فعل مضادة شبيهة بالسيارة التي اجتاحت مصلين مسلمين في بريطانيا مرتين، ويمكن أيضاً أن تتخذ وجوهاً أخرى تعمق الانقسام وتؤدي إلى انشقاقات وحروب أهلية أو طائفية، وإن تم ذلك فإنه يدخل في صلب استراتيجية الجماعة الإرهابية التي تتبنى فرضية صراع الحضارات والأديان وترى أن تجارب التعايش الناجحة في الكثير من المجتمعات لا تصمد أمام اختبارات إرهابية من النوع الذي شهدناه خلال السنوات القليلة الماضية. بكلام آخر إن ما يبحث عنه قادة الإرهاب هو زج العرب والمسلمين الذين يعيشون في الغرب منذ عقود طويلة، في معركتهم رغماً عنهم وعبر تحويلهم إلى أهداف إثنية أو دينية للمتعصبين الأغبياء أو العفويين الذين لا يعول عليهم في تفادي السقوط في فخ الإرهاب والإرهابيين.
ولعل الجانب الأخطر في هذه القضية هو محاولات الاصطياد في المياه العكرة من طرف التيارات السياسية المتطرفة والكارهة للعرب والأجانب، هذه التيارات التي ترى أن المشكلة لا تنحصر في هذا التنظيم الإرهابي أو ذاك، وإنما في البيئة التي يخرج منها الإرهابيون، وهذا يوجب بحسب المتشددين اعتماد سياسة عقابية شاملة ضد هذه البيئة. في مثل هذه الحالات وفيها وحدها ينتصر الإرهاب بالضربة القاضية ما يعني مع الأسف الشديد أن الزمن يلعب لصالح الإرهابيين إذا ما انتصرت الشموليات الشعبوية في أكثر من دولة أوروبية وأجنبية.

fjalloul3@yahoo.fr

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى