قضايا ودراسات

لا بقاء إلّا لصناع الأمل

شيماء المرزوقي

كما هو واضح في مقالة الأمس، فقد كرست العالمة هيباتيا السكندرية، حياتها وكافة تفاصيل يومها للعلم وخدمة الناس وتنمية معرفتهم وعلومهم، بمعنى أنها أخذت على عاتقها إزاحة الجهل والتخلص منه، ولكن جهدها وذكاءها وعلمها، لم تكن مقبولة في ذلك الزمن، حيث كان واضحاً أن الناس تتجمع حولها وخاصة فئة المتعلمين والدارسين، وهذه الحالة سببت حرجاً للسلطة الدينية المتمثلة في الكنيسة في ذلك الوقت. وأمام تزايد شعبيتها والتفاف الناس حولها وتزايد أعدادهم، تم اتهامها بممارسة السحر والإلحاد وغيرها من التهم.
وتبعاً لهذه التهم التي جاءت من أعلى سلطة كنسية تم التعرض لها من عدد من الغوغاء، وهي عائدة لمنزلها، وقاموا بجرها وتعذيبها حتى توفيت، وأشعلوا فيها النار. وكان لهذه الحادثة صدى كبير وألم بالغ حتى اليوم، لكل من يستعيد سيرة حياتها. تقول العالمة كاثلين وايلدر: «إن مقتل هيباتيا يعد نهاية للعصر الكلاسيكي القديم». أما العالم ستيفن جرينبلات، فقال «إن مقتلها أثرّ بشدة في انحدار الحياة الفكرية». تركت هذه العالمة الملهمة عدة منجزات علمية، وكانت أغلب الأعمال التي قدمتها مشتركة مع أبيها ثيون ألكسندروس، لأنه في ذلك الزمن لم يكن شائعاً أن تكون هناك أعمال وعلوم ومبتكرات من إنتاج وتأليف نساء. هذه العالمة قدمت للبشرية عدة منجزات مثل رسمها لمواقع الأجرام السماوية، واختراعها لمقياس ثقل السائل النوعي، والذي يستخدم في قياس كثافة ولزوجة السوائل، ونجاحها في صناعة نوع من آلات الإسطرلاب، وغيرها الكثير.
لقد كافأ التاريخ البشري هذه العالمة بأن خلّد اسمها في أعلى منزلة وفي أفضل مكان، أمّا من تلوثت أيديهم بدمها، فلا ذكر لهم لأنهم مجرد نكرات في تاريخ ومسيرة البشرية نحو التطور والتقدم، ولا بقاء إلّا لأهل الخير وصناع الأمل وفجر باسم للإنسان.
Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى