قضايا ودراسات

لا حياد مع الإرهاب

عمر عليمات
علينا اليوم أن نغتنم الظروف المواتية للقضاء على جذور الإرهاب من خلال قطع الشريان المالي والإعلامي الذي يتغذى عليه ويمده بالحياة
الإجماع الذي تشهده منطقتنا هذه الأيام على ضرورة محاربة الإرهاب، بمفهومه الشامل، بما في ذلك التركيز على جذور المشكلة أكثر من التركيز على نتائجها، يشكل فرصة غير مسبوقة لنفض غبار العنف والتطرف والأفكار الظلامية عن كاهل أبنائنا الذين اكتووا بنار الإرهاب لسنوات طويلة.
لم تعُد المرحلة التي نعيشها تحتمل المزيد من الدبلوماسية والسياسة بقدر ما تحتاج إلى قرارات حاسمة تقطع أوصال التنظيمات الإرهابية، فحالة الغليان التي تعيشها المنطقة لم تعُد تنفع معها مسكنات مرحلية وترحيل للأزمات، على مبدأ «أعيش اليوم وأموت باكراً»، فمع الإرهاب لا يوجد حاضر ولا مستقبل وحتى التاريخ تم السطو عليه وتحريفه ليلائم خزعبلات أصحاب الفكر الشاذ والمنحرف.
إن التمويل المادي والإعلامي للإرهاب هو جذر المشكلة وأصلها، وإذا لم تتخذ إجراءات حازمة تجاه هذا التمويل، فإن محاربة الإرهاب تبقى تدور في دائرة مفرغة لن تفضي إلى نتائج حقيقية قادرة على تغيير الواقع المأساوي الذي تعيشه العديد من دول المنطقة، نتيجة الإرهاب وتنظيماته متعددة الأسماء ذات المشرب الواحد، والذي يعلي قيم الدمار والموت على قيم الحياة والتسامح والعيش المشترك.
الفكر مهما كان نوعه إيجابياً أو تدميرياً يبقى حبيس العقول، وقد يخرج لدائرة ضيقة من المقربين والبيئة المحيطة، إلا أنه يصبح مارداً غير ملجَم إذا ما حصل على «قُبلة الحياة»: المال والإعلام، فبلا مال لا وجود لمريدين ومقاتلين يذودون عن هذا الفكر، وبلا إعلام لا يمكن لفكر أن يتغلغل في المجتمعات لينمو رويداً رويداً ويدق أوتاده في عقول الشباب في برمجة زمنية معروفة المراحل وواضحة الأهداف.
لسنوات طويلة، إذ لم يكن لعقود، بقينا للأسف نغض الطرف عما يحدث في مجتمعاتنا من غزو فكري إرهابي،عبر العديد من القنوات التلفزيونية التي جعلت من شاشاتها منابر للإرهابيين والقتلة ليبثوا منها سمومهم وفكرهم في شرايين مجتمعاتنا، حتى بات الإنسان يخشى أن يقول رأياً مغايراً لما تنشره «قنوات الفتنة» خوفاً من وصمه بالكفر البواح، هذا إذا لم يهدر دمه ويصلب وتقطع أوصاله من خلاف.
ولأن الهدف واضح ومحدد، وهو تعزيز الفكر المتطرف،بدأت عمليات التمويل المادي الكبيرة لضخ الدماء في شرايين الإرهاب وجماعاته لتوفير السبل الكفيلة بقيام تنظيمات قادرة على العيش والاستمرار، وهذا لا يمكن أن يتحقق بلا تدريب وأسلحة واستقطاب مقاتلين وشراء ذمم واستغلال لحاجة بعضهم، وهذا كله من السهل تلبيته بمجرد توافر المال واستدامته.
الإرهابيون ليسوا كائنات فضائية لا تعرف المجتمعات ومواطن ضعفها وقوتها، بل هم أبناء جلدتنا وديننا وثقافتنا، لذا عرفوا من أين تؤكل الكتف فزاوجوا بين التمويل المالي والأذرع الإعلامية الضاربة، حتى وصلنا إلى هذه الحال، فكم من يتيم ومعاق وأرملة وبائس يعيش في منطقتنا جراء تمدد الإرهاب وتغلغله في دولنا، حتى وصلنا لمرحلة نرى فيها تنظيماً شاذاً يسمي نفسه «دولة».
الفرصة إن ذهبت لا تعود، وعلينا اليوم أن نغتنم الظروف المواتية للقضاء على جذور الإرهاب من خلال قطع الشريان المالي والإعلامي الذي يتغذى عليه ويمده بالحياة، ولا سبيل للوقوف موقف المتفرج تحت مسميات الحياد الإيجابي التي أثبتت عقمها،فلا حياد مع الإرهاب وتنظيماته والأهم من ذلك لا حياد مع مموليه وداعميه مالياً وإعلامياً.
اليوم نحن في وضع أفضل من العام الماضي والعام الذي سبقه، والتنظيمات الإرهابية تتكبد خسائر متوالية وتفقد العديد من مواقعها، ولكنها ستبقى تعاود الكرة تلو الأخرى إذا لم نجتث جذورها من منطقتنا، وهذا ما يتطلب البحث عن قنوات التمويل كافة وقطعها، بحيث نحاصر هذه التنظيمات وصولاً إلى قتل الفكر الذي أنتجها، والذي لم يجلب لنا سوى الموت والخراب.
الفرصة مواتية فلا تقتلوها بحياد غير مبرر.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى