قضايا ودراسات

لا مفاجأة في زيارة عباس للرياض

حافظ البرغوثي

تزامنت الذكرى الثالثة عشرة لاستشهاد الرئيس ياسر عرفات مع الزيارة التي قام بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس للرياض بدعوة سعودية مفاجئة كما قيل إعلامياً، ونسج الكثيرون خاصة من «الإسرائيليين» قصصاً غريبة عن الزيارة. فالرئيس الفلسطيني هو مَن طلب زيارة الرياض منذ فترة، والجديد هو توقيتها عندما جاءته الموافقة أثناء وجوده في شرم الشيخ لحضور مؤتمر الشباب العالمي. وقد نسجت تلال من التكهنات في مواقع ووسائل إعلام «إسرائيلية» وعربية حول زيارة أبو مازن، ذلك أنه لا يوجد خلاف بين أي فريق فلسطيني والمملكة العربية السعودية، بل إن الخلاف الداخلي الفلسطيني يسير نحو الانفراج تحت إشراف مصري لتنفيذ المصالحة بين «فتح» و«حماس». وما سمعه أبو مازن من القيادة السعودية كان لا يتعارض مع الخط العام التقليدي للسياسة السعودية تجاه القضية الفلسطينية. فقد أبلغ ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان الرئيس أبو مازن تأييد بلاده للمصالحة الفلسطينية، وأكد أن المملكة لن تشارك في أي مؤتمر إقليمي للسلام طالما لم يوافق عليه الفلسطينيون وهي ملتزمة بهذا الشأن بالموقف الفلسطيني. هذا الموقف يناقض الشائعات التي نشرت حول ضغوط سعودية على الفلسطينيين للموافقة على ما يسمى «صفقة القرن» وبالتالي ليس من داعٍ لاستقالة الرئيس أبو مازن. فالسذاجة في التلفيق في هذا بائنة، لأن أبو مازن نفسه جدد في خطابه الذي ألقي في مهرجان إحياء ذكرى الشهيد أبو عمار تمسكه بالثوابت الفلسطينية التي ورثها عن سلفه أبو عمار. فما استشهد أبو عمار من أجله لا يمكن لأي فلسطيني أن يحيد عنه، وثمة إجماع على هذا الموقف.
فالمملكة العربية السعودية صاحبة مبادرة السلام العربية هي من اشترط للتطبيع مع الاحتلال «الإسرائيلي» قيام دولة فلسطينية قبل ذلك فكيف ينقلب الموقف فجأة! كما أن ما يسمى ب «صفقة القرن» ما زالت غامضة، وأعلن الأمريكيون أنهم بدؤوا لتوهم في صياغة خطوط الصفقة قبل أيام، لذا لا شيء واضحاً حتى الآن، من هنا تكون التسريبات في الإعلام والمواقع الإخبارية بعيدة عن الدقة والموضوعية. فالقضية الفلسطينية ليست مرتبطة بقرار فردي.
في كتاب أمريكي صدر حديثاً لصحفيَين أمريكيَين يهوديَين هما جرانت روملي وأمير تيبون بعنوان «الفلسطيني الأخير.. قصة صعود محمود عباس» جلدا فيه الرئيس الفلسطيني جلداً بدءاً من اتهامه بالتشكيك في المحرقة اليهودية على أيدي النازيين وصولاً إلى رفضه خطة إيهود أولمرت ثم خطة جون كيري للسلام التي وافق عليها بنيامين نتنياهو على حد زعمهما، كما انتقدا الشهيد أبو عمار لأنه أضاع فرصة كامب ديفيد واختار المواجهة العنيفة بإثارة الانتفاضة الثانية. فالكاتبان أرادا من هذا الكتاب القول إن الفلسطينيين هم من يرفض السلام وهو ما فنده كيري في كلمة له قبل أيام عندما أبرز صدق الفلسطينيين في توجههم نحو السلام بعكس الحكومة «الإسرائيلية». ولعل كلام كيري هذا أبلغ رد على ما ورد في هذا الكتاب والمزاعم التي حفل بها، فهما يقيسان أخلاقية أبو عمار وأبو مازن بمدى موافقتهما على ما تطرحه «إسرائيل» من حلول غير واقعية ولا تلبي المطالب الفلسطينية في الحرية والاستقلال. واتهما أبو عمار بأنه رفض عرضاً سخياً في كامب ديفيد ومن بعدها اتهمته إدارة بيل كلينتون بأنه لم يعد شريكاً، وتلقف «الإسرائيليون» هذا الوصف وبدؤوا باستخدامه وكان ذلك التعبير ضوءاً أخضر لعملية اغتياله واتهماه بتكديس مليارات الدولارات باسمه وثبت بعد اغتياله أنه لم يكن له أي حساب أو مال منقول أو غير منقول. فما حدث في كامب ديفيد هو أن «الإسرائيليين» تحدثوا لفظياً عن انسحابات من معظم الضفة، وعندما جاء وقت بحث وضع القدس جاؤوا بالخريطة للمدينة وطلبوا منه توقيعها فرفض.
وفي حالة الرئيس أبو مازن وفي أواخر أيام أولمرت في الحكم مع تفجر فضيحة الفساد ضده عرض عليه أولمرت خريطة للضفة الغربية توضح حدود الضفة والانسحاب «الإسرائيلي»، وطلب منه التوقيع عليها فطلب أبو مازن نسخة عنها لمناقشتها مع قيادته لكن أولمرت رفض. وقد أورد الكاتبان هاتين القصتين ولكن برواية مختلفة لإدانة أبو عمار وأبو مازن وتبييض صفحة «إسرائيل» فقط.
المشكلة في طرح «صفقة القرن» حاليا هي في كيفية إقناع اليمين «الإسرائيلي» بها وليس الجانب الفلسطيني. وما نضح من أفكار حتى الآن يشير إلى أن الرئيس الأمريكي ترامب شخصياً سيعود إلى تبني حل الدولتين، ويؤيد أغلب ما ورد في خطة كيري ويؤيد نشر قوات أمريكية أو متعددة الجنسيات في غور الأردن، لكن الطاقم الذي يتولى صياغة «الصفقة» ليس من هذا الرأي بل سيحاول تطويع «الصفقة» وفقاً للرغبة «الإسرائيلية»، وهذا ما يرفضه الجانب الفلسطيني مسبقاً، وهو رفض يحظى بإجماع عربي. فلا ضغوط عربية أو سعودية للقبول بما تم رفضه سابقاً.

hafezbargo@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى