قضايا ودراسات

لعبة «توم وجيري» بين «داعش» و«إسرائيل»!

خلال شهر واحد تقريباً، تبادلت «إسرائيل» و«داعش» الأدوار في خلط الأوراق لرفع الحرج وإبعاد اللغط والجدل حول شبهات طبيعة العلاقة الغريبة التي تربطهما على أساس تعاهد سرّي متبادل بعدم الاعتداء. فبعد نقلها معلومات إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنها نجحت في التسلل مخابراتياً إلى داخل تنظيم «داعش»، ومعرفة أن التنظيم يخطط لتلغيم أجهزة حاسوب نقّالة لتفجيرها على متن الطائرات في الجو، والذي بدوره نقل المعلومة إلى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف خلال اجتماعهما في البيت الأبيض يوم الأربعاء 10 مايو 2017، ها هو تنظيم «داعش» «يرد المعروف» ل «إسرائيل» مساء الجمعة 16 يونيو 2017 بإعلان وكالة «أعماق» التابعة للتنظيم الإرهابي، تبني التنظيم رسمياً لعملية فدائية نفذها ثلاثة شبان فلسطينيين، اثنان من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والثالث من حركة حماس، وفقاً لبيانات وتصريحات مسؤولي التنظيمين الفلسطينيين، الذين أعلنوا أن الهجومين المتزامنين شنّه الفدائيون الثلاثة بأسلحة نارية وأسلحة بيضاء في منطقتين في باب العمود بوسط مدينة القدس المحتلة، ما أسفر عن مقتل شرطية «إسرائيلية» وإصابة ضابط «إسرائيلي» آخر، قبل أن يستشهدوا على أيدي قوات الاحتلال.
هنا سوف يتعين علينا استحضار موجة الغضب التي اجتاحت أركان الحكومة «الإسرائيلية»، تعبيراً عن استيائها من إطلاع الرئيس ترامب للروس على المعلومات التي حصل عليها الموساد، حسب زعمه، من اختراق بهلواني جاسوسي للتنظيم. وهو غضب مفهوم، اعتباراً بما يمكن أن يترتب عليه من الإضرار بالثقة والتفاهمات السرية المتبادلة بينها وبين التنظيم الإرهابي. وعلينا في هذا المقام أن نتذكر إعلان الجيش «الإسرائيلي» مساء الجمعة 21 إبريل الماضي عن سقوط ثلاث قذائف صاروخية من سوريا داخل الأراضي الواقعة تحت الاحتلال «الإسرائيلي» في هضبة الجولان المحتل، دون أن تتسبب بإصابات أو أضرار، وتعليق وزير الأمن السابق موشيه يعالون على الحادثة بقوله، إن «داعش أطلق النار مرة واحدة في الجولان واعتذر». هكذا إذاً اعتذر؟!
وعلى ذلك فإن الراجح في تفسير مسارعة «داعش» لمبادلة «الإسرائيليين» كسر «الحاجز النفسي» لعلاقة التخادم القائمة بينهما، بتبنيه المتهافت لعملية القدس، هو أن هذا «الخرق» لا يعدو أن يكون أحد تجليات الإفلاس القريب للتنظيم بمحاولة البحث بأي شكل من الأشكال، عن بطولات ليست من صنع يده توسلاً واستدراراً لتعاطف جمهور الدهماء بعد أن أصبح قاب قوسين أو أدنى من الاضمحلال. وإلا لما كان اضطُر للإفصاح بصورة غير مباشرة عن علاقة التخادم القائمة بينه وبين «إسرائيل» والمساس بالتابو الذي يغلفها.
هذا التقاذف الناعم والمطاردة الصبيانية المتبادلة بين المتخادمين يذكِّر بالمطاردات المثيرة والمضحكة لتوم وجيري في أفلام الكرتون الأمريكية الشهيرة. حيث تبدو العلاقة بين توم وجيري وكأنها نوع من أنواع النزوع الغريزي للمشاكسة والمضايقة، أكثر منه نزوعاً لرغبة أكيدة في التخلص من الآخر. حتى أنهما في بعض الحلقات يُظهران اهتمام واعتناء كل منهما بالآخر.
وفي حالة توم «الإسرائيلي» وجيري «الداعشي»، فإنه ليس سراً أن «داعش» لم يطلق رصاصة واحدة باتجاه «إسرائيل»، بل إنه أسقطها من قائمة أعدائه ومن قاموس سبابه وشتائمه البشع. فمن الواضح أن عين البغدادي لا تعلو على حاجب مشغليه، الكبار منهم خصوصاً قبل صغارهم. فلا غرو أن الحاضنة الأولى التي غدت أباً روحياً للقاعدة و«داعش» وأنسالهما من التنظيمات الإرهابية، وهو هنا تنظيم الإخوان المسلمين، قد حرص مرشحهم ما أن نصّبوه رئيساً حال وصولهم إلى السلطة في مصر في أعقاب الفوضى التي رافقت ثورة 25 يناير، على مخاطبة رئيس «إسرائيل» بعبارات «صاحب الفخامة السيد شيمون بيريز رئيس دولة «إسرائيل»، عزيزي وصديقي العظيم.. لما لي من شديد الرغبة في أن أطوّر علاقات المحبة التي تربط لحسن الحظ بلدينا»، وذلك في خطاب وجّهه مرسي إلى الرئيس «الإسرائيلي» شيمون بيريز لمناسبة تعيين عاطف سالم سفيراً جديداً لمصر في «إسرائيل»، ونشرته صحيفة «ذا تايمز أوف إسرائيل» على موقعها مساء الأربعاء 17 أكتوبر 2012.
د. محمد الصياد
alsayyadm@yahoo.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى